سياسة التخدير لعلاج زيادة الأسعار

صفوت قابل
صفوت قابل

آخر تحديث: الثلاثاء 2 مايو 2017 - 10:15 م بتوقيت القاهرة

من الواضح أن المشكلة الأساسية التى يعانى منها الشعب المصرى حاليا هى مشكلة زيادة الأسعار والتى غطت على كل المشاكل السياسية والقومية، ففى كل تجمع لا حديث يعلو على الشكوى من ارتفاع الأسعار ومن يشاهد البرامج التليفزيونية يجدها تحفل بنماذج من المواطنين الذين يصرخون من زيادة أسعار الطماطم ثم الأسماك ثم الخضراوات وهكذا الشكوى من كل الأسعار ومن كل الطبقات. فالفقراء ازدادوا فقرا ولم يعد لديهم ما يشترى أدنى الاحتياجات، والطبقة الوسطى غيرت أولويات الإنفاق لتوجه المزيد من دخلها لشراء الاحتياجات الأساسية ويتراجع الطلب على كل ما يعد كماليا سواء من حيث النوع أو الجودة أو الكمية، بل أدت زيادة الأسعار إلى أن تتحول بعض السلع من ضرورية إلى كمالية.
مع تزايد وتصاعد شكوى المصريين كان لابد وأن تقوم الحكومة بالعمل على مواجهة هذه المشكلة والعمل على تخفيف وطأتها، مع ملاحظة أن الحكومة تدرك مدى التدهور الذى أصاب مستوى معيشة المصريين ولكن ما يهمها هو ألا تتحول الشكوى إلى غضب جماهيرى ونزول إلى الشوارع، وهو ما اتضح عندما تجمعت مجموعات من المواطنين للاحتجاج على عدم الحصول على حصتهم من الخبز المدعم، مما جعل الحكومة تسرع بالتراجع عن ذلك القرار ونزلت سيارات الجيش لتوزع الخبز على تجمعات المحتجين.
***
بالطبع فإن الزيادة المستمرة للأسعار تؤدى إلى خلل فى هيكل الاقتصاد وما يؤدى إليه ذلك من آثار سلبية على سلوكيات الأفراد، فماذا فعلت الحكومة لمواجهة هذه المشكلة، فى اعتقادى أن الحكومة لم تسلك الطريق الذى يؤدى إلى وقف الزيادة المستمرة للأسعار بل اتبعت ما أسميه سياسة التخدير حيث تحاول تهدئة المواطنين بالوعود بأن الأحوال ستتحسن بعد فترة بحيث لا ينتقل المواطنون من مرحلة الشكوى وانتظار تغير الأحوال إلى مرحلة اليأس من التغيير وبالتالى اللجوء إلى أشكال عنيفة للاحتجاج، ومن مظاهر سياسة التخدير هذه ما يلى:
1ــ العمل على إقناع المواطنين بأن الحكومة وكل المسئولين يعملون على تخفيف معاناتهم وذلك بالإعلان المستمر بأن الرئيس ورئيس الوزراء يعقدون الاجتماعات التى تنتهى بسلسلة من التوجيهات بالعمل على مراعاة محدودى الدخل والضرب بيد من حديد على التجار الجشعين والتصدى للمتلاعبين بقوت الشعب، ولكن لا نعرف كيف تحولت هذه التوجيهات إلى أفعال تحقق المرجو منها. أما التصدى لجشع التجار فيعطى الانطباع بمسئولية هؤلاء التجار عن هذه الزيادات المستمرة للأسعار، وهذا جزء من الحقيقة والجزء الأكبر أن الحكومة هى التى تقود الزيادة فى الأسعار من خلال ما تفرضه من ضرائب ومن المعروف أن ضريبة القيمة المضافة ستزداد فى يوليو القادم إلى 14% مما سيؤدى إلى المزيد من زيادة الأسعار. كذلك فإن الحكومة هى التى رفعت أسعار الكهرباء وتعلن عن زيادة أخرى فى يوليو القادم أيضا مما سيؤدى إلى المزيد من ارتفاع أسعار كل المنتجات والخدمات، فمن يضرب على يد الحكومة لتتوقف عن زيادة الأسعار وزيادة معاناة رعاياها؟
2ــ الإعلان عن طرح كميات من السلع التى ارتفع سعرها، وهذا نوع من التخدير؛ لأن المشكلة لن تنتهى ولن تتوقف الزيادة فى الأسعار بطرح هذه الكميات التى عادة لا تتناسب مع كمية الطلب مما يخلق مجالا للفساد فى توزيع هذه الكميات.
***
3ــ تشجيع سياسة المقاطعة للسلع التى ارتفعت أسعارها وكان آخرها الدعوة غير الناجحة لمقاطعة الأسماك تحت شعار (خليها تعفن) ولكن من الواضح ان دعوات المقاطعة لم تؤثر على مستويات الأسعار. وقد يكون ذلك بسبب عدم القدرة على التنظيم والتواصل مع قطاعات كبيرة من المستهلكين، وكذلك لأنه فى ظل زيادة كل الأسعار فلا يمكن مقاطعة كل السلع، وبالتالى فماذا يشترى المواطن لاستهلاكه، فإذا قاطع اللحم لزيادة أسعارها فسيجد أن الدواجن هى الأخرى قد ارتفعت أسعارها، فإذا تركها وذهب للأسماك فهى الأخرى ولأول مرة زادت أسعارها لأكثر من الضعف، حتى هياكل الدواجن والأرجل قد تضاعف سعرها، فإذا قاطع كل هذه السلع فماذا يأكل وإلى متى يستمر هذا الحال؟
4ــ حاولت الحكومة تهدئة المواطنين بالإعلان عن دراسة إمكانية تسعير بعض السلع الأساسية ومع ثورة رجال الأعمال ورفضهم لذلك تراجعت الحكومة لتعلن عن تشكيل لجنة لبحث تحديد هامش للربح ولكنها تراجعت أيضا ليعلن وزير التموين عن كتابة الأسعار على العبوات ثم تأجل تنفيذ ذلك والإعلان عن اقتصاره على سلعتى السكر والأرز، وبالطبع فهذا القرار شكلى ولن يؤثر فى الأسواق.
5ــ من مظاهر سياسة التخدير التى أقول إن الحكومة تتبعها مع الشعب، الإعلان عن زيادة المخصص للفرد فى بطاقة التموين من 18 جنيها إلى 21 جنيها ثم تصريحات عن دراسة إمكانية زيادة ذلك المبلغ فى رمضان، ولكن فى مواجهة هذه الزيادة رفعت الحكومة سعر كيلو السكر من حوالى 5 جنيهات إلى 8 جنيهات، أى أن زيادة سعر كيلو السكر قد التهمت الزيادة فى المخصص المالى للفرد فى بطاقة التموين، وهناك الحديث الدائم عن تنقية بطاقات التموين من غير المستحقين مما يؤدى إلى زيادة مخصصات باقى المستحقين بينما الحقيقة أن الهدف من ذلك تخفيض مخصصات الدعم فى الموازنة.
6ــ هناك التضارب فى السياسات الحكومية، فعند تعويم الجنيه كانت التصريحات أن ذلك سيؤدى إلى زيادة الصادرات، ورغم معرفة الجميع أن الاقتصاد المصرى لا يملك ما يزيد به الصادرات، فإن كل ما حدث نتيجة انخفاض قيمة الجنيه أن زادت أرباح بعض السلع التى يمكن تصديرها ولكن لأنه لا يوجد فائض من الإنتاج. لقد أدى ذلك إلى خلق أزمات وزيادة أسعار هذه السلع ومن ذلك الأسماك مما جعل وزير التموين يصرح بأن الحكومة تدرس فرض رسم صادر 100% على الأسماك المصدرة للخارج بعد ارتفاع الأسعار بشكل كبير خلال الفترة الماضية.
كما فرضت وزارة التجارة والصناعة المصرية رسوما على صادرات السكر بواقع 3 آلاف جنيه للطن (165,3 دولار) بداية من أول أبريل، فإذا كان الإنتاج لا يكفى السوق المحلية فلماذا السماح بالتصدير والذى سيؤدى إلى المزيد من ارتفاع الأسعار مهما فرض من رسوم على الصادرات.

***
العلاج الوحيد لمواجهة زيادة الأسعار المستمرة هو المزيد من الإنتاج المحلى، وهو ما يتطلب أن تتحول الدولة من القيام بدور المقاول إلى دور المنظم لقطاع الإنتاج، غير ذلك سنظل ندور فى حلقة مفرغة من تصريحات لا تتحول إلى التنفيذ ويستمر ارتفاع الأسعار ويستمر المواطن مطحونا لا يعرف كيف يدبر احتياجاته إلا بمحاولة زيادة دخله عن طريق الفساد.

 

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved