القطاع الخاص وتحديات السنوات القادمة
محمد الهوارى
آخر تحديث:
السبت 2 مايو 2020 - 7:25 م
بتوقيت القاهرة
لا شك أن فيروس كورونا اللعين يمثل تحديا اقتصاديا من نوع خاص ومتفرد سيؤثر على مقدرات الحكومات والشركات لسنوات قادمة. وبينما ظن البعض يوما أن إنهاء حالات الحظر فى العالم سينتج عنه عودة سريعة للاقتصاد لحالته الأولى، يتضح لنا اليوم أنه اعتقاد خاطئ تماما حيث يزداد تأثر الاقتصاد بثلاث عناصر: الأول هو طول فترة الإجراءات الاستثنائية الصحية، والثانى هو عمق الأزمة التى طالت كل جوانب النشاط الاقتصادى تقريبا وخاصة النشاط الخدمى ذا التأثير الكبير على الاقتصاد العالمى، وأخيرا وليس آخرا عدم وضوح الرؤية بالنسبة للفيروس من حيث طرق الوقاية والتطعيم أو ابتكار دواء حقيقى شافى؛ ليس كالأدوية الموجودة حاليا ذات المفعول المحدود.
قام بنك الاستثمار الأمريكى العالمى جى بى مورجان بنشر رسم بيانى فى أوائل إبريل الماضى هو الأول من نوعه الذى يتنبأ بتأثر ربحية الشركات فى العالم من جراء فيروس كورونا. يتوقع البنك أن يضيع ما يصل إلى ٨٠٪ من ربحية الشركات فى العالم مقارنة بربحيتها فى عام ٢٠١٩. ثم تتحسن الربحية حتى تصل الخسارة إلى نحو ٢٠٪ فى أواخر عام ٢٠٢١. أى أنه حتى نهاية العام القادم لن تكون معظم الشركات فى العالم قد عادت لمستوى ربحية عام ٢٠١٩. بالطبع لن يتساوى التأثير على كل الشركات وسيكون هناك تفاوت كبير من بلد لآخر ومن صناعة أو قطاع لآخر، ولكن النموذج المرجح حدوثه هو صدمة كبيرة وخسائر فادحة فى بداية الأزمة ثم عودة بطيئة للربحية خلال عامين. فى رأيى أن هذا الرسم البيانى ليس دقيقا أيضا فهو لا يأخذ فى الحسبان حجم المشكلات المالية التى ستحدث جراء تعاظم حجم الدين من فترة تباطؤ الاستهلاك التى ستستمر لشهور كثيرة على أقل تقدير. تأتى الأزمات عادة فى سلسلة متتابعة، وهناك أزمة قادمة ستأتى قريبا جدا وغالبا ستتزامن مع أزمة الكورونا أو نهاياتها. نعم، للأسف الشديد، أتوقع أزمة مالية عالمية بعد أزمة الكورونا، عمقها سيتوقف على طريقة تعامل الدول والشركات المختلفة مع معطيات الأزمة الحالية. حجم المديونيات العالمية فى أواخر ٢٠١٩ كانت أكبر بكثير من حجم المديونية وقت الأزمة المالية العالمية فى ٢٠٠٨. الدول الكبرى والشركات لجأت للاستدانة لسد احتياجاتها بسبب الفجوة المالية التى خلقها الفيروس، مما سيضع حجم المديونيات العالمية فى مستوى غير مسبوق. وسيحل موعد سداد هذه الفاتورة يوما ما. استطاعت البنوك المركزية حتى الآن تأجيل هذه المشكلة ولكن هذه لعبة خطرة ومكلفة وستجعل يوم الحساب عنيفا.
فيما يلى سأحاول سرد أهم ملامح الفترة المقبلة كما أراها؛ خاصة من وجهة نظر القطاع الخاص العالمى والمصرى:
١ــ ستتأخر عودة شركات القطاع الخاص فى العالم إلى مستوى ربحية عام ٢٠١٩ بسبب تراكم المديونيات أو بسبب الاضطرار لضخ رأس مال إضافى. رأيى أننا لن نرى مستوى الربحية السابق إلا بعد فترة قد تصل إلى خمس سنوات، بعد أن يعاد تشكيل شكل وحجم المنافسة فى الأسواق بخروج شركات من المنافسة واندماج أخرى ووقتها ستكون الفرصة أفضل للشركات المتبقية لأخذ نصيب أكبر من السوق مع تعاظم ربحيتها. يتأثر هذا التوقع حسب القطاع والبلد الخ ولكن المطلوب فى أغلب القطاعات والأسواق هو حساب عائد أى مديونية أو استثمار جديد طبقا لهذا التوقع مع وضع ميزانية طارئة لاحتمال امتداد الفترة سنتين إضافيتين فوق هذا التوقع.
٢ــ توقع «راى داليو» مدير أكبر صناديق التحوط العالمية «بريدجووتر» أن تكون الفجوة المالية العالمية التى سيتسبب فيها فيروس كورونا بين ٢٠ و٢٥ تريليون دولار. قد تقوم الدول الكبرى فى أمريكا وأوروبا والصين بسد نصف هذه الفجوة على الأكثر عن طريق الاستدانة أو ما يعرف بطريقة مبسطة بطباعة النقود (وهى ليست طباعة حقيقية ولكنها طباعة افتراضية فى أغلبها).ستتركز مجهودات الدول الكبرى بالطبع داخليا مع بعض الجهود المتفرقة لدعم الدول النامية وخاصة الفقيرة. هذا يعنى أن الدول النامية ذات الإيرادات المرتفعة نسبيا مثل مصر لن يكون لها نصيب كبير من تلك المساعدات. مما يعنى بالتالى أنه سيتوجب على الحكومة تدبير مصادر لسد الفجوة التى تسبب فيها الفيروس؛ إما بالطرق المعتادة (ضرائب ورسوم وخلافه) أو عن طريق المديونيات حيث نتوقع أن ترتفع نسبة الدين العام مؤقتا بعد سنوات من الانخفاض. دخلت مصر فى هذه الأزمة وهى فى موقف جيد بعد عدة سنوات من برنامج اصلاحى قوى تم فيه بناء احتياطى نقدى بحجم جيد. أتوقع تخفيض طفيف فى العملة المحلية فى لحظة ما وذلك لأن الجنيه المصرى أصبح أقوى من اللازم بالمقارنة مع عملات الدول النامية الأخرى، مما يقلل من تنافسية المنتجات المحلية ويعرض إيرادات التصدير للخطر.
٣ــ فى السنوات السابقة كانت الاستثمارات الحكومية وشبه الحكومية هى قاطرة النمو فى مصر. نتوقع أن يتعاظم هذا الدور فى السنوات القادمة لتحافظ الدولة على مكانتها كمحرك الاقتصاد الأول. ولكن إعادة النظر فى دور القطاع الخاص فى النمو الاقتصادى بمراجعة القواعد والقوانين المنظمة لذلك ستعطى دفعة إضافية وضرورية للاقتصاد تعيده سريعا لوضعه الأول قد يكون بشكل أسرع من باقى الدول المنافسة، فنرجو أن تعطى الحكومة الأولوية لذلك.
٤ــ هناك شركات موجودة الآن فى العالم تسمى Zombie Companies وهى شركات مثل «الميت الحى»، تطفو ولا تحقق الأرباح المرجوة. هذه الشركات ستفلسو تغلق أو ستحصل على معونة حكومية ثم تفلس وتغلق. قبل اتخاذ أى قرار يحتاج أصحاب الشركات أن ينظروا لمستوى ربحيتهم قبل الأزمة. من وجهة نظر عملية بحتة: اذا كانت ربحية شركتك (أو استثمارك) ضعيفة فهذه فرصة إما لعمل خطة لتقوية الربحية أو لاغلاق الشركة والدخول فى مجال جديد. بمعنى آخر فى كل الأحوال سيضطر المستثمرون لاستمرار شركاتهم لضخ أموال جديدة إما فى صورة استثمارات أو مديونيات فإذا كنت تعتزم الاستدانة أو ضخ استثمارات جديدة فى ظل ظروف صعبة ونشاط متدنى فهذه فرصة لا تعوض لاعادة التخطيط للعودة إلى الربحية أو تحسينها. أما اذا كنت ستستثمر أموال فى شركة ذات عائد متدنى بدون أمل فى تعاظم الربحية على المدى المتوسط، فتوقف الآن ولا تضع مزيدا من الاستثمارات. فى هذه الحالة تنطبق المقولة الشهيرة Putting Good Money After Bad أى أنك بذلك تضع استثمارات جيدة جديدة بعد استثمارات خاسرة بدلا من وضعها فى فرص أخرى لها احتمالات ربحية أكبر.
٥ــ اذا كنت ستبدأ نشاطا جديدا أو ستتوسع فى نشاطك القائم، فنصيحتى الأخيرة هى ان تنتهز فرصة هذا التوقيت الممتاز للتخطيط جيدا، ثم أن تبدأ فى التنفيذ ببطء ويكون هدفك افتتاح توسعاتك أو أعمالك فى النصف الثانى من العام القادم، أو فى العام التالى اذا حدثت أزمة مالية عالمية قبل هذا الوقت كما أتوقع. يجب أيضا أن يكون لديك رأس مال كافى لمشروعك وتزيد عليه حوالى٣٠٪ لإدارة المخاطر. وأخيرا أن يكون تخطيطك بنظرة مستقبلية مستقرئا تغير متطلبات السوق حتى بعد أن ينحصر الوباء تماما وأن يكون لديك عدة سيناريوهات للتعامل مع المستقبل. أهم سلعة اليوم فى عالم سريع التغير لنجاح أعمالك هو المرونة فيجب أن تحافظ عليها.
مدير صناديق استثمار دولية