جذور الصراع في السودان.. الميليشيات المسلحة والذهب والإسلاموية
مواقع عالمية
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 مايو 2023 - 7:40 م
بتوقيت القاهرة
فى ظل ما تعيشه السودان الآن من قتال شرس بين الجيش السودانى بقيادة عبدالفتاح البرهان وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو نشر موقع Eurasia review مقالا للكاتب أندرو مكجريجور، تناول فيه الأبعاد الإثنية لهذا الصراع، مشيرا إلى دور مناجم الذهب والحركات الإسلامية فى تفاقم هذه الأزمة، إضافة إلى أسباب فشل محاولات دمج هذه الميليشيات ضمن الجيش السودانى... نعرض من المقال ما يلى.
بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير والتخلص من الحكم الإسلامى العسكرى فى 2019، تم تشكيل حكومة مدنية ــ عسكرية مشتركة لقيادة انتقال ديمقراطى يقوده مدنيون. ومع ذلك، أنهى انقلاب أكتوبر 2021 بقيادة الجيش وقوات الأمن السودانية كل التقدم نحو الحكم المدنى، مما أدى فى نفس الوقت إلى قطع معظم علاقات السودان الاقتصادية والمالية مع الغرب.
يشير كاتب المقال إلى محاولات الدبلوماسيين الدوليين للتوسط بين الجيش وتحالف القوى المدنية من أجل الحرية والتغيير لتحقيق انتقال ديمقراطى. فكان من المقرر التوقيع على الصيغة النهائية للاتفاقية الإطارية فى 6 أبريل بشأن توحيد المنظومة العسكرية وقيام حكومة مدنية. ومع ذلك، لم يتم التوقيع على الاتفاقية نظرا لفشل العنصرين المتنافسين (البرهان وحميدتى) الاتفاق على أحكام الإدماج والإصلاح العسكرى.
دعا هذا الاتفاق الإطارى إلى دمج قوات الدعم السريع ضمن القوات المسلحة السودانية. ويقود القوات المسلحة السودانية الفريق «عبدالفتاح البرهان، وهو الزعيم الفعلى للسودان كرئيس لمجلس السيادة الانتقالى، فى حين أن قوات الدعم السريع هى قوات شبه عسكرية بقيادة الشخصية الثانية فى السودان، نائب رئيس المجلس الأعلى الانتقالى، محمد حمدان دقلو الملقب بـ(حميدتى). وكان الهدف من الاتفاق الإطارى هو قيادة السودان إلى الحكم المدنى.
الأبعاد الإثنية للصراع
يكره العديد من عرب دارفور، الذين يشكلون قاعدة قوات الدعم السريع، الطبقة الحاكمة فى الخرطوم، والتى تتكون فى الغالب من أفراد القبائل العربية القوية فى شمال النيل فى السودان، الذين سيطروا على البلاد منذ الاستقلال فى عام 1956. لذا من المرجح أن يعتقد حميدتى، الذى ليس لديه أكثر من تعليم مدرسى قرآنى، مثل العديد من عرب دارفور، أنه لن يتم قبوله أبدا من قبل النخبة العسكرية والسياسية من عرب شمال النيل فى السودان. من ناحية أخرى، يُنظر إلى البرهان فى دارفور على أنه المهندس الرئيسى للإبادة الجماعية ضد المسلمين غير العرب، ويُذكر جيدا تهديداته بإبادة شعب قبيلة الفور، الذين كانوا حكام دارفور السابقين.
أطلقت حكومة البشير العنان لمسلحين وقطاع طرق من الجنجويد (ميليشيا عربية سودانية) على السكان المدنيين غير العرب تحت التوجيه العسكرى. كان زعيم الجنجويد الشيخ موسى هلال عبدالله، زعيم عشيرة أم جلول من عرب المحاميد، كان حميدتى أحد نوابه خلال الفترة 2003ــ2005. ومن الجدير بالذكرأن، من بين انتهاكات الجنجويد القتل والاغتصاب والتعذيب والحرق العمد.
عندما بدأت جرائم الجنجويد فى جذب الاهتمام الدولى غير المرغوب فيه فى عام 2005، دمجت الحكومة المسلحين فى حرس الحدود، وهى وحدة صغيرة تنتقل بالجمال. وقد أدى الاندماج فى الهياكل الأمنية الرسمية إلى حماية الجنجويد من الملاحقة القضائية وإخضاعهم لسيطرة حكومية أشد صرامة. تطور هذا التشكيل بحلول عام 2013 إلى قوات الدعم السريع كقوة لمكافحة التمرد. أصبحت قوات الدعم السريع تحت السلطة المباشرة لجهاز الأمن القومى والمخابرات بدلا من الجيش واشتهرت بانتهاكاتها لحقوق الإنسان وانعدام الانضباط.
عوامل فشل الإدماج
أظهر البرهان، منذ أن أصبح الحاكم الفعلى للسودان فى عام 2019، عدم قدرته على كبح جماح قوات الدعم السريع. لقد سمح لها بأن تصبح، كما يقترح البعض، «دولة داخل دولة». إذ قدمت قوات الدعم السريع، بقيادتها الشابة، لبعض الوقت تدريبا أفضل وفرصا أكبر لكسب المال من التجنيد عن القوات المسلحة السودانية.
تريد القوات المسلحة السودانية دمج قوات الدعم السريع مع الجيش فى غضون عام أو عامين على الأكثر. ومع ذلك، تفضل قوات الدعم السريع جدولا زمنيا مدته عشر سنوات (بمعني آخر، لا يوجد تكامل حقيقى على الإطلاق). لذلك، اقترح وسطاء الأمم المتحدة حلا وسطا لمدة خمس سنوات، سرعان ما رفضه الطرفان.
ستختفى سلطة حميدتى ونفوذه إذا أصبحت قوات الدعم السريع تحت قيادة هيئة الأركان المشتركة للقوات المسلحة السودانية. لذا طالب زعيمها بسرعة تشكيل حكومة مدنية.
قام البرهان بحل قوات الدعم السريع فى 17 أبريل بعد وصفها بأنها حركة «متمردة»، مضيفا أن الأمر داخلى ولا يتطلب تدخلا من المجتمع الدولى. كما أشار الدكتور جبريل العبيدى فى مقال نُشر له فى صحيفة الشرق الأوسط، إلى أنه «كان من الخطأ محاولة دمج قوات الدعم السريع فى الجيش الوطنى كوحدة كاملة، مما شجع على استمرار الولاء لقادة قوات الدعم السريع بدلا من القيادة العامة».
الذهب جعل الأمور أسوأ
السودان الآن هو ثالث أكبر منتج للذهب فى إفريقيا. ومع ذلك، يتم تهريب ما يصل إلى 80 فى المائة من الإنتاج إلى خارج البلاد، والكثير منه إلى روسيا، فى حين أن السودان تعانى الأمرين دون أى وجه استفادة يُذكر من إنتاجها.
بالانضمام إلى العقوبات الأمريكية الحالية، تم فرض عقوبات الاتحاد الأوروبى فى مارس على شركة «MــInvest» وفرعها Sudan Meroe Gold، وهى شركات تعدين مرتبطة بمجموعة Wagner الروسية، بتهمة التجارة غير القانونية فى الذهب «المنهوب بالقوة من التجار المحليين». فى مارس 2022، أبلغ مسئول تنفيذى فى منجم ذهب سودانى صحيفة التلجراف أن روسيا كانت تهرب 30 طنا من الذهب من السودان كل عام لبناء احتياطياتها وإضعاف آثار العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها المستمر لأوكرانيا.
من الجدير بالذكر، أن حُراس المناجم التى تديرها شركة Meroe Gold هم أفراد من مجموعة Wagner الذين شاركوا أيضا فى تدريب قوات الدعم السريع. لذلك، لا نعلم إذا كانت قوات فاجنر ستستمر فى لعب هذه الأدوار أم لا؟ إذ يصر رئيس مجموعة «فاجنر»، يفجينى بريجوزين، على أن لا وجود لـ«فاجنر» فى السودان منذ عامين. لكن زعمت السلطات الأمريكية أن «فاجنر» تقدم الآن أسلحة لقوات الدعم السريع عبر قواعد فى ليبيا وجمهورية إفريقيا الوسطى.
عادة ما يتم تصدير الذهب المهرب عبر جمهورية أفريقيا الوسطى التى تحتلها قوات «فاجنر» أو عن طريق الجو إلى القاعدة الروسية فى اللاذقية، سوريا. اتهمت جهات أجنبية عناصر «فاجنر» بشن هجمات على عمال مناجم الذهب بالقرب من الحدود مع جمهورية إفريقيا الوسطى. في واقع الأمر، لا تولى موسكو اهتماما كبيرا بعودة السودان إلى الحكم المدنى لأن هذا يعنى الإضرار بمصالحها الخاصة، إذ أنه بين المهام الأولى للحكومة الجديدة السيطرة على صادرات الذهب لضمان وصول الإيرادات فى الخزانة العامة بدلا من الأيدى الخاصة.
الإسلاموية فى الجيش النظامى
قبل اندلاع القتال الحالى، حذرت قوى الحرية والتغيير وشركاؤها من جهود حزب المؤتمر الوطنى لإثارة مواجهة بين الجيش وقوات الدعم السريع من شأنها أن تخلق ظروفا مواتية للعودة إلى الحكم الإسلامى. بدأ كبار الإسلاميين وأعضاء حزب المؤتمر الوطنى (بمن فيهم المحتجزون بسبب انتهاكات حقوق الإنسان) فى مغادرة مرافق الاحتجاز والعودة إلى المناصب الحكومية (خاصة المخابرات العسكرية ووزارة الخارجية) بعد الانقلاب العسكرى عام 2021، بينما حل البرهان لجنة تحقق فى الفساد. أضف إلي ما سبق، تعيين اللواء أحمد إبراهيم مفضل، الموالى لحزب المؤتمر الوطنى، فى نوفمبر الماضى قائدا لجهاز المخابرات العامة، الذي خلف جهاز الأمن والمخابرات الوطنى المسئول عن التصدي للمعارضة السياسية خلال نظام البشير. فى حين أن قوات الدعم السريع يُنظر إليها على أنها مجموعة خونة بسبب فشلها فى منع الإطاحة بالبشير، لذا فهى مكروهة بشكل خاص من قبل الإسلاميين.
فى الأيام الأخيرة، تم إفراغ السجون فى جميع أنحاء البلاد من آلاف السجناء المجرمين والسياسيين، إما عن طريق الإفراج أو الفرار. ومن بين أولئك الذين خرجوا من سجن كوبر سيئ السمعة أحمد هارون، المطلوب من قبل المحكمة الجنائية الدولية، وإسلاميون بارزون فى نظام البشير، بمن فيهم نائب الرئيس السابق على عثمان محمد طه، وعوض الجاز. تزعم كل من قوى الحرية والتغيير وقوات الدعم السريع أن الجيش يخطط لإعادة الإسلاميين البارزين إلى السلطة.
وختاما، يواجه حميدتى صعوبة فى الترويج لصورته الجديدة كبطل للديمقراطية بينما يحاول تصوير البرهان على أنه رئيس صورى لحركة إسلامية راديكالية. كما حاول حميدتى الادعاء بأن قوات الدعم السريع تقاتل البرهان «وعصابته الإسلامية». وبالمثل، أشار البرهان إلى أنه مستعد للتفاوض فقط مع «الأطراف داخل قوات الدعم السريع» التى تسعى إلى الحوار، وليس قادة قوات الدعم السريع الحاليين.
ترجمة وتحرير: وفاء هانى عمر
النص الأصلي