رقصة الإخوان الأخيرة
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 يونيو 2015 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
وكأنها زوبعة فى فنجان، هدأت أخبار المعارك الطاحنة داخل تنظيم الإخوان المسلمين، التى تناولتها خلال الأيام الماضية العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، وكشفت فيها عن اندلاع ما يشبه حرب «تكسير عظام» بين مجموعات شبابية تطالب باللجوء إلى العنف المسلح ضد الجيش والشرطة والعديد من مؤسسات الدولة، وبين العديد من القيادات التاريخية للجماعة التى ترفع شعارات العمل السلمى، خوفا على التنظيم من بطش أمنى قد يطيح بمعظم كوادره داخل السجون، بل وقد يضرب التنظيم نفسه فى مقتل.
بعيدا عن المبالغات الإعلامية التى صورت «خلافات التنظيم» على أنها معركة صفرية بين الحرس القديم داخل الجماعة، والمجموعات الشبابية الغاضبة، لا بد أن ينتصر فيها أحدهما على الآخر، فإن هناك قيودا موضوعية لا توفر سبل النجاح لدعوات انتهاج العنف المسلح ضد الدولة، لتحقيق أهدافهم بإسقاط الرئيس عبدالفتاح السيسى، وعودتهم مع رئيسهم المعزول لحكم مصر مرة أخرى..
أول هذه القيود هو افتقاد هذه العناصر الشبابية لأية خبرات عسكرية تمكنهم من تحقيق أى انتصارات ميدانية، وكل ما يمكنهم عمله فى هذا السياق هو الاستمرار فى صنع عبوات ناسفة بدائية وتفجيرها فى أبراج الكهرباء أو أمام اقسام الشرطة، أو الانضمام للتنظيمات الداعشية فى سيناء، وفى كلتا الحالتين لن تتمكن هذه المجموعات من اسقاط النظام، الذى يمكنه تحمل هذه الممارسات الإرهابية بدون خسائر تذكر.
أما ثانى هذه القيود، فيتمثل فى افتقاد الإخوان للحاضنة الشعبية التى تتبنى شعارات العنف ضد السلطة، وتوفر للعناصرالإخوانية المسلحة حماية أمنية ودعم لوجيستى تحتاجه حروب العصابات، كما أن سمعة الإخوان السياسية بين المصريين ليست فى أحسن احوالها، بل هى فى الوحل فى حقيقة الأمر، والسنة السوداء التى حكموا فيها مصر كشفت عوراتهم السياسية والفكرية أمام ملايين المصريين، فلا هم أثبتوا كفاءة فى الحكم، ولا نزاهة أخلاقية فى التحالف مع شركاء الثورة، ولا همة فى إصلاح أحوال الفقراء، وكانت كل ممارساتهم السياسية عبارة عن أكاذيب مفضوحة، ووعود منكوصة، وتحالفات خارجية مشبوهة، مع جشع بلا حدود للسلطة.
وثالثا، فإن القطط السمان من الحرس القديم والجديد فى الجماعة هم من يمتلكون مفاتيح خزائن التنظيم، وسيرفضون بالقطع تمويل هذه العمليات العسكرية المفترضة، والتى تحتاج إلى أموال باهظة، لن تغامر بها هذه القطط السمينة، خاصة أنهم تعودوا على الحياة الهادئة الهانئة، وتربوا سياسيا على عقد الصفقات البائسة مع أجهزة الأمن، وعلى المعارضة اللطيفة المستأنسة داخل البرلمان طوال عهدى السادات ومبارك، ولا يميلون لأية أعمال راديكالية أو ثورية حقيقية، هم غير مستعدين لتحمل فاتورتها الغالية.
أزمة الإخوان الحقيقية ليست خلافات أجيال محافظة وأجيال شابة غاضبة، فالأزمة الحقيقية التى يواجهونها هى أن تنظيمهم أصبح خارج التاريخ، لا يمتلك مشروعا فكريا يؤهله للاستمرار فى الحياة السياسية، كل مرجعياته الفكرية مجرد أساطير راودت أحلام مؤسسه الشيخ حسن البنا ببناء دولة الخلافة فى مصر بعد سقوطها فى تركيا، والتى ربما كانت مقبولة شعبيا فى زمنه، ولكنها الآن لم تعد أكثر مجرد سراب، ليس لها أى أصل فقهى معتبر، بالإضافة إلى انتهاج التنظيم أساليب براجماتية لم تتوقف طوال مسيرة التنظيم، لتحقيق اهداف سياسية، منذ تحالفات البنا مع الانجليز ومطالبته بتعيين الملك فاروق أميرا للمؤمنين، وصولا إلى قادة الجيل الحالى الذين عقدوا التحالفات السرية مع عمر سليمان، وباعوا الثوار الحقيقيين فى ثورة يناير، والذين هتفوا بسقوط اسرائيل وتحرير القدس عندما كانوا فى المعارضة، ثم اقسموا للأمريكان بالحفاظ على أمنها عندما وصلوا لسدة الحكم.
الإخوان الآن يرقصون رقصتهم الأخيرة، هم لا يريدون أن يتركوا المسرح السياسى بدون نهاية درامية ساخنة، والبديل الوحيد المطروح امامهم هو الاستمرار فى طريق الإرهاب البدائى الذى يمارسونه ضد أبراج الكهرباء، حتى لا ينفجراالتنظيم من الداخل، ويصبح فى خبر كان!