حال المساواة فى زمن كورونا
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 يونيو 2020 - 10:15 م
بتوقيت القاهرة
كشفت أزمة فيروس «كورونا» عن وجود مظاهر عدم المساواة تعتصر المجتمعات، والتى قد تشكل محور تفكير العالم فى الفترة المقبلة، طالما أن العلماء يقولون إن «كورونا» هو فيروس، ومثله فيروسات كثيرة، قد تهب على الإنسانية دون سابق موعد.
أحد مظاهر عدم المساواة فيما يعرف بالإجراءات الاحترازية، حيث يطلب من الناس غسل أيديهم بالصابون لمدة عشرين ثانية، المسألة تبدو سهلة، وقد لا تثير انتباه كثيرين، ولكن بالتأكيد سوف تختلف الصورة إذا علمنا أن ثلث سكان الكرة الأرضية يفتقرون إلى المياه النظيفة الصالحة للاستخدام، ونحو نصف سكان الأرض يفتقرون إلى الأدوات الصحية، وما يتبعها من صرف صحى، وهى أرقام صادمة. وهكذا، فإن إجراء احترازيا بسيطا يثير كل هذه التحفظات، فما بالك بالإجراءات الكبرى؟ لن نتحدث عن علاج كورونا، ولا أوضاع الصحة العامة، ولا الاستعدادات فى المستشفيات، ولا تكاليف العلاج الباهظة بشكل غير معقول، وغيرها. خذ مثال العزل المنزلى، وهو اجراء يلجأ إليه الناس بحكم الضرورة، وبالتأكيد ليس كل الناس من سكان الفيلات ولا الكمبوندات، وقد تجد أسرة تنحشر فى غرفة أو اثنتين، أو بيوت عشوائية متلاصقة، لا تعطى مجالا للعزلة، أو حتى أبسط مظاهر الخصوصية. هذا الحديث لا ينصرف فقط على المجتمع المصرى، ولكن فى مجتمعات كثيرة حول العالم، سارت على طريق التنمية المشوهة، مما أوجد لديها فجوات هائلة فى مستويات المعيشة، وأوضاع الاسكان بها، هل يمكن فى هذه الظروف أن نتحدث عن عزل منزلى؟ مثال آخر هو انتقال العالم مجبرا إلى الفضاء الالكترونى «أون لاين» إلى حد أن أحد الباحثين قال إن سكان العالم فى الفترة المقبلة سوف يتخذون اختيارات متعددة تتأرجح بين «أون لاين» و«أوف لاين»، وفى الانتقال إلى العالم الافتراضى مظاهر عدم مساواة واضحة. هناك من يمتلك الإمكانيات التى تعينه على ذلك، وهناك من لا يمتلك هذه الإمكانيات، يسرى ذلك على التباين بين المجتمعات، كما يشمل الاختلافات المريعة بين الأفراد أنفسهم داخل المجتمع الواحد. الانتقال إلى عالم الانترنت ليس عابرا، أو اختياريا، لكنه أصبح بالنسبة للتعليم اجباريا فى أوقات كثيرة، وبالتالى أصبح «التمكين الالكترونى» إن صح التعبير أحد حقوق الإنسان، جزءا لا يتجزأ من العملية التعليمية ذاتها، تماما مثل انشاء مدارس، أو جامعات، وهل أعضاء هيئات التدريس مؤهلين للتعامل مع الواقع الافتراضى، وفى ذلك مظهر آخر من عدم المساواة فيما بينهم نتيجة اختلاف الأجيال والخبرات.
الملفت أن فيروس كورونا عندما هب على العالم حمل بين طياته «المساواة»، لم يفرق بين مجتمع وآخر، أو دولة متقدمة أو دولة نامية، لكن كشفت مسيرة التعامل معه عن اختلالات فى المساواة بين البشر على مستويات عديدة، ينبغى أن تكون محور الاهتمام فى مرحلة ما بعد كورونا، حيث ما كانت بعض المجتمعات تعتبره رفاهية فى السابق، أصبح الآن جزءا من ضرورات الحياة.