القاهرة- بكين.. شراكة الاحتياجات الاستراتيجية

إيريني سعيد
إيريني سعيد

آخر تحديث: الأحد 2 يونيو 2024 - 8:35 م بتوقيت القاهرة

الحديث عن دبلوماسية مصرية متوازنة تراعى جميع الاتجاهات والقناعات، لا يستقيم بمعزل عن التوجه المصرى شرقا، كما أن أية تحليلات من شأنها التعاطى مع طبيعة العلاقات المصرية الصينية، عليها أولا فهم استراتيجية الاحتياجات المشتركة ما بين القاهرة وبكين، وقبيل الشراكة ومفاهيمها سواء على المستوى السياسى والاقتصادى أو حتى الثقافى والشعبوى، والحقيقة فإن المدرسة الواقعية من أكثر مدارس العلاقات الدولية انطباقا على العلاقات بين الجانبين، بما تنطوى عليه من مراعاة المصالح واحترام السيادة، مع الميل للسلام والسعى من أجل تحقيق معايير التنمية العالمية، والأهم احترام أعراف القانون الدولى، فى وقت نشهد فيه مخالفة صريحة لهذه الأعراف، إن لم يكن تعديا سافرا.
غير أن ثمة توترات جيوسياسية واقعة ليس فقط بمنطقتنا، والتى تطلبت من مصر تحديدا حالة من الحراك الدبلوماسى، يستهدف أول ما يستهدف الترويج لقناعاتنا ومواقفنا، ومن ثم التدويل للقضية الفلسطينية وإشكاليات الصراع مع إسرائيل، وعليه كسب مزيد من الدعم السياسى والدبلوماسى من قبل الأقطاب الكبيرة والصاعدة خصوصا الواقعة أقصى الشرق، وفى مواجهة الغرب وربما الذى بدأ فى التحول مؤخرا، غير أن الحراك الدبلوماسى عادة ما ينتهج التنوع فى العلاقات ما بين الشرق والغرب، وبما يضمن استمرارية هذه العلاقات، وتحقيق الاستفادة القصوى منها وبما ينعكس على تنمية الشعوب والمجتمعات.
وبالعودة للحديث عن هذه التغيرات الجيوسياسية، فلا تقتصر على منطقتنا، حيث يشهد أقصى الشرق مجموعة من التغيرات أيضا، تسعى الصين لاحتوائها من منطلقات عدة فى مقدمتها خلفياتها الاقتصادية الثقيلة، والأهم استراتيجيتها أو الوثيقة الصينية وبموجبها تتحرك بكين فى أطر التنمية ومعايير حفظ السلام العالمى، إنما بالنسبة لها تظل تايوان القضية الأكثر حساسية، والمحور الذى طالما لعبت عليه الولايات المتحدة، ومن ثم فإن أبرز محددات العلاقات الصينية الخارجية هو الاعتراف بالصين الموحدة، وهنا نقطة تلاقى ما بين الصين ومصر، وربما معظم الدول العربية. أيضا تبرز بعض التوترات الجيوسياسية الأخرى كالتدخلات الأمريكية ومحاولات واشنطن احتواء كوريا الجنوبية واليابان، ليس فقط على خلفية الانتماء التاريخى من قبل الأخيرة للولايات المتحدة، لكن عقب الممارسات والمناورات النووية من قبل كوريا الشمالية، وهو ما عملت بكين على تفاديه عبر محاولاتها سحب كوريا الجنوبية واليابان من العباءة الأمريكية، ما تُرجم فى مؤتمر سول الأيام الماضية وفيه تم استئناف علاقات ثلاثية جديدة، يتم فيها الدفع باتفاق تجارة حرة.
ولعل الحنكة الصينية وفى ضوء هذه التوترات، جاءت فى تصريحات رئيس الحكومة الصينية لى تشيانج، وخلال استئناف التعاون الثلاثى، بضرورة عزل الملفات الاقتصادية عن السياسية، وكأن بكين ترغب أولا فى الاحتواء الاقتصادى، مستندة على خلفياتها، وثانيا فى تحقيق مستهدفاتها السياسية وحسبما تقتضى قناعاتها، لكن فقط عقب عملية استمالة لجاراتها، وعلى خلفية الإخفاقات الاقتصادية العالمية، ومساعى الدول من أجل تحالفات اقتصادية حقيقية من شأنها تأمين الشعوب والأنظمة.
غير أن ما يربط القاهرة وبكين يتجاوز، مفاهيم الدبلوماسية التقليدية سواء المتعلقة بتبنى القناعات والاتجاهات المشتركة، أو حتى التأييد فى المحافل الدولية والأممية، فبينما تعد مصر مهيأة لاجتذاب أقوى الاستثمارات الصينية عبر البنى التحتية المجهزة، أو حجم المشروعات القومية سواء الاستثمارية أو اللوجيستية، وهو ما تم بناء عليها توقيع البرنامج التنفيذى للشراكة الاستراتيجية الشاملة للأعوام الخمسة المقبلة، وربما اعتماد مصر كنقطة مركزية ولوجيستية على طريق الحرير، عبر قناة السويس وحجم المشروعات القومية، ومؤخرا تجاوز حجم التبادل التجارى بين مصر والصين بلغ 13.9 مليار دولار خلال 2023 مقابل 16.6 مليار دولار خلال عام 2022، بحسب ما ذكره الجهاز المركزى للتعبئة والإحصاء. نفس الجهاز أوضح أن حجم الصادرات المصرية إلى الصين بلغ 909 ملايين دولار خلال 2023، مقابل 1.9 مليار دولار خلال عام 2022 بينما بلغ حجم الواردات المصرية من الصين 12.9 مليار دولار خلال عام 2023، مقابل 14.8 مليار دولار خلال عام 2022، حيث تتمثل معظم هذه الاستثمارات فى مجالات تصنيع السيارات الكهربائية والأجهزة والصناعات الكيماوية ومواد البناء، أيضا التكنولوجيا الزراعية الحديثة وغيرها.

صحفية مصرية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved