اتحاد العروش
سيد قاسم المصري
آخر تحديث:
السبت 2 يوليه 2011 - 9:06 ص
بتوقيت القاهرة
فى اعتقادى أن ما أعلن عنه مؤخرا من دعوة مجلس التعاون الخليجى لكل من الأردن والمغرب.. أو لنقل لكل من ملك الأردن وملك المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجى هو من أخطر التحولات التى طرأت على التجمعات العربية.. لقد كان العالم العربى فى بواكير شبابنا ينقسم إلى دول تناضل من أجل التخلص من الاستعمار ودول قد نجحت فى التخلص منه جزئيا أو كليا.. ثم انخرط العالم العربى فى أمواج الحرب الباردة فإذا هو ينقسم إلى دول موالية للمعسكر الغربى (أطلق عليها الدول الرجعية) ودول موالية إلى المعسكر الشرقى (وأطلقت على نفسها اسم الدول التقدمية).. ثم مع بداية عصر التعايش السلمى والتعاون الأمنى فى ظل نظام مؤتمر هلسنكى واتجاه مصر السادات نحو الغرب والولايات المتحدة وإبرام اتفاق كامب ديفيد.. انقسم العالم العربى إلى دول معتدلة أى مؤيدة للسلام مع إسرائيل ودول رافضة سمت نفسها دول الرفض ثم استحسنت بعد ذلك وصفا أكثر ايجابية هو دول الصمود والتصدى.. ثم تهاوت بعد ذلك.. الواحدة تلو الأخرى حتى أصبح العالم العربى فى مجمله إما دولا معتدلة أو دولا أشد اعتدالا».
●●●
ودام ذلك لسنوات طويلة إلى أن دقت ثورة 25 يناير نواقيس الخطر ومزقت الوضع القائم Status Quo الراكد.. وبدت فى الأفق ملامح تقسيم جديد فى العالم العربى.. دول العروش ودول الثوار.. وثورة 25 يناير وكذلك ثورة الياسمين فى تونس.. تختلف عن كل الثورات العربية السابقة.. فكل ما قبل ذلك كان إما ثورات ضد الاستعمار أو انقلابات عسكرية تغير نظام الحكم ولا تغير نظام الشعب... الشعب يظل بعيدا عن المشاركة الفعلية فى صنع القرار لذلك نجد أنه فى أشد أوقات الأزمات بين نظام عبدالناصر والأنظمة «الرجعية» فى العالم العربى كانت هذه الأنظمة تخشى مؤامرات الحكومات الشقيقة ولا تخشى ثورية شعوبها.. الجديد الآن أن هناك شعوبا ثائرة امتدت عدوى ثورتها بسرعة فائقة إلى محيطها العربى وأقلقت الكثيرين خصوصا أصحاب العروش فإن سقوط عرش واحد بثورة شعبية سيكون له تأثير الدومينو لذلك لم يسمح مجلس التعاون الخليجى للتمرد فى البحرين أن يستمر وقامت قوات درع الجزيرة بالتدخل السريع لإخماده.
●●●
ويقول «بير دازو» الباحث بكلية دفاع حلف الناتو فى مقال له بجريدة الهيرالد تريبيون «أن هدف مجلس التعاون الخليجى الآن هو الدفاع عن «الملكيات الثمانى» فى الإقليم بكل الوسائل ولما كانت أضعف حلقاتها هى الأردن والمغرب لذلك كانت دعوتهما للانضمام إلى المجلس الذى سيبتعد كثيرا بهذا التطور عن الهدف الذى أنشئ من أجله.
ويضيف الباحث أن الثورة المصرية على وجه الخصوص هى التى أثارت الفزع فى بلاط الملكيات الخليجية خاصة وقد لاحظوا أن أعين مصر تتجه الآن نحو تركيا وإيران ويضيف «أنه ليس من المستبعد أن نجد القوات الأردنية تتدخل فى السعودية يوما ما لقمع انتفاضة شعبية» كما أن وجود الأردن والمغرب فى هذا التجمع الملكى الجديد سيؤدى إلى تباطؤ التطور الديمقراطى فى هاتين الدولتين أما إسرائيل ــ ومازال الكلام للباحث الأطلنطى ــ فإن المساندة التى سيجدها عرش الأردن من جيرانه فى الخليج هى مدعاة للطمأنينة» (الطمأنينة لإسرائيل بالطبع).
وفى اعتقادى أن الأثر العميق الذى أحدثته الثورات العربية خاصة المصرية لدى السعودية ودول الخليج هى أنها أحدثت هزة عميقة فى أهم العقائد الاستراتيجية لديها فقد كانت دوما تعتقد أن أمنها مضمون من الولايات المتحدة وقد تعزز هذا الاعتقاد خلال حرب الخليج الأولى حيث وجدت هذه الدول الولايات المتحدة تحشد تحالفا عالميا لم يسبق له مثيل منذ الحرب العالمية الثانية لإنقاذ عرش الكويت.. وأدارت حملة دبلوماسية وإعلامية موازية فائقة الجودة حتى أمكنها إعادة الأمير إلى عرشه.. هذه الواقعة الكبرى فى التاريخ العربى المعاصر كان لها نتيجتان مهمتان لدى الوجدان والفكر الاستراتيجى الخليجى على وجه التحديد.
فقد تأكد لديها أن أمنها واستقرار عروشها لا يتحقق إلا بالولايات المتحدة الأمريكية.. وكل ما عدا ذلك مثل الدفاع العربى المشترك هو «طق حنك»، والنتيجة الثانية أن دول الخليج أخذت تعيد النظر فى منطلقات العقائد الأساسية وعلى رأسها القومية العربية.. فإن الخطر أصبح الآن يأتى أولا من القومية العربية ومن شعارات مثل «بترول العرب وثروات العرب» وليس بترول السعودية أو بترول الكويت.. هذا الاطمئنان والركون لدرع الأمان الأمريكى لم يعد كما كان بعد ثورات الربيع العربى حيث وجدوا الولايات المتحدة تتخلى سريعا عن حلفائها الواحد تلو الآخر خلال أسابيع قليلة.. بل وترحب بالتغيير وتتعهد بدعمه.. ولا شك أن الدول الخليجية ستستخلص النتائج الصحيحة.. وأهمها هى الاعتماد على النفس من خلال الدفاع الجماعى الخليجى (كما شاهدنا فى البحرين) أو الخليجى الموسع (دعوة المغرب والأردن إلى الانضمام).. مع تعزيز العلاقات مع دول كبرى أخرى مثل الصين.. وما زالت تداعيات الثورة المصرية تتوالى.