المتحرشون
سامح فوزي
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 يوليه 2019 - 11:05 م
بتوقيت القاهرة
ليس اللاعب الذى اتهم بالتحرش، واعترف واعتذر عن فعله، هو الوحيد الذى ارتكب هذا الجرم. يفعل غيره ذلك بكل أريحية، وهو ما يستوجب موقفا حاسما تجاه هذه الممارسة البغيضة التى تطول المرأة فى الشارع، ومواقع التواصل الاجتماعى، وأماكن العمل والمواصلات العامة. السبب ليس ما يقوله البعض، وهو خطاب ذكورى محض، ويدور حول تأخر سن الزواج، وملابس الفتيات المتحررة، والبطالة والإحباط، إلى آخر الأسباب التى يدفع بها بوصفها مبررات لعمل سيئ، وليس عوامل تفسر حدوثه. ولكن السبب فى تقديرى يعود إلى غياب التنمية الثقافية الحقيقية فى المجتمع، والتى تجعل دائما التفكير الذكورى هو المهيمن فى كل مناحى الحياة. المرأة تصنف دائما بأنها مصدر الإغواء، والرجل مفعول به، مندفع وراء غرائزه، بحكم ذكوريته، وهيمنته فى المجتمع. وهناك تكتم اجتماعى على ممارسات مسيئة تحدث فى أماكن عديدة، وغالبا ما يكون سببها احتياج المرأة إلى العمل، مما يجعلها تقع ضحية للتحرش الدائم. وهناك قصص موثقة من عاملات وموظفات فى أماكن عمل كثيرة، غالبيتهن فى القطاع الخاص، يتعرضن أحيانا إلى تحرش، بصورة أو بأخرى، والملفت أن تسمع عن ذلك من فتيات تعرضن إلى تحرش من جانب «الكهول» فى مجالات الجامعة والبحث العلمى والإعلام، ناهيك عن الفن، وعادة ما تأخذ شكل علاقة أستاذ وطالبة، أو شخصية عامة وأخريات يسرن فى ركابه، أو فتيات يبحثن عن موقع فى المجتمع. إذن ضحايا التحرش كثر ليسوا فقط فى الطبقات الاجتماعية رقيقة الحال، ولكن أيضا على قمة المجتمع، حيث ينتشر ما يمكن تسميته «كهول المتحرشين»، الذين يستفيدون من مواقعهم فى مجالات الثقافة والإعلام والفن فى ممارسة التحرش تجاه النساء.
لا يجب أن يتحدث أحد عن لاعب متحرش، بينما يصمت عن ممارسة باتت متجذرة فى النسيج الاجتماعى يمارسها الذين يرتدون مسوح القيم والفضيلة والشرف فى الحياة العامة، فى حين أنهم متحرشون، وهم ليسوا شبابا حتى نقول إنهم يواجهون مشكلات فى الزواج أو يضيق بهم الحال، ولكنهم كهول، متقدمون فى السن، متحققون وظيفيا وماليا، لديهم أسر، وأبناء وأحفاد، لا ينقصهم شىء، ورغم ذلك يمارسون التحرش.
من هنا فإن التحرش مرض اجتماعى متجذر أكثر من كونه حدثا عارضا، يحتاج إلى نقد اجتماعى حقيقى، وليس مجرد الحديث عن موقف أو حدث بغرض التطهر، وإعلان خلو المجتمع من المرض.