رسالة من أنفاق غزة
صحافة عربية
آخر تحديث:
السبت 2 أغسطس 2014 - 8:10 ص
بتوقيت القاهرة
ليس الخوف من أنفاق غزة هو الذى يدفع إسرائيل إلى ارتكاب هذه الجرائم والمجازر ضد سكان القطاع المحاصر. من الصعب تصور أن الدولة الأكثر تسلّحا فى منطقة الشرق الأوسط، والتى تفاخر بأن جيشها هو بين أقوى جيوش العالم، لا تجد سبيلا لمواجهة ما تسميه خطر حركة «حماس» سوى بتدمير بيوت غزة فوق رءوس أهلها.
أنفاق غزة ليست سوى رسالة وصلت إلى القادة الإسرائيليين لتبلغهم كم أن الأرض الفلسطينية التى يستوطنونها هشّة تحت أقدامهم، وكم أن وجودهم على هذه الأرض غير طبيعى، لأنه احتلال. ومثل كل احتلال على مر التاريخ، فهو معرض للزوال عندما تتغير عناصر الحماية التى لا تزال توفر له أسباب البقاء.
ولأن هذه الرسالة وصلت بكل وضوحها، لم يعد أمام القادة الإسرائيليين، مدنيين وعسكريين، سوى الالتفاف بعضهم حول بعض، على رغم الخلافات السياسية القائمة بينهم، لأن الخطر الذى يستشعرونه هو خطر وجودى، ولهذا وجدنا درجة التوحّش والهمجية التى يمارس بها الجيش الإسرائيلى حملته فى غزة، من دون أى اعتبار لأى قيم أو مشاعر إنسانية، ولا لقوانين الحروب من أى نوع. المستشفيات والمدارس والمساجد والأطفال الذين يلهون فى الشوارع أو على شاطئ البحر... كلها أهداف مباحة عند جيش إسرائيل، التى لا يخجل سفيرها فى واشنطن من أن يطالب بجائزة نوبل للسلام لهذا الجيش، فى الوقت الذى يتهمه المسئولون فى منظمة غوث اللاجئين (الأونروا) بارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولى، بينما يعلن الناطق باسم الأمم المتحدة أن على العالم أن يشعر بالعار حيال ما ترتكبه إسرائيل فى غزة، على مرأى ومسمع من شعوب الأرض.
لم يعد أمام إسرائيل سوى القتل، قتل الفلسطينيين، لتضمن بقاءها الآمن. هذه هى الخلاصة الوحيدة التى يمكن استخلاصها من الجرائم التى ترتكبها إسرائيل فى غزة. فوجئ الإسرائيليون بأن نظرية غولدا مائير عن أن الشعب الفلسطينى غير موجود كانت نظرية مخالفة للواقع. اكتشفوا أن هناك شعبا لا يزال موجودا وان هذا الشعب يطالب بأرضه، ويفتح كتاب التاريخ الذى تسعى إسرائيل إلى إقفال صفحاته، ثم يتصفّح فصول تلك الجريمة التى لا نظير لها فى التاريخ، والتى ارتكبتها العصابات التى مهدت لقيام إسرائيل فى عام 1948.
بهذا المعنى أعادت حرب غزة المأساة الفلسطينية إلى فصولها الأولى، فصول المجازر والتهجير القسرى واستيراد «مواطنين» من كل أصقاع الأرض ليستوطنوا مكان سكان البلاد الأصليين. هكذا صار الشاب الأسترالى والبريطانى والليتوانى والفرنسى... جنديا فى «جيش الدفاع الإسرائيلي» لا مهمة له سوى قتل أبناء الأرض الأصليين، لأن الأرض لا تتسع لشعبين، بحسب النظرية الصهيونية التى مهدت لقيام الدولة اليهودية.