** كلما حقق رياضى مصرى إنجازا كبيرا أو عالميا، يطل وجه الرياضة الجميل من نوافذ وشبابيك المجتمع كله كما حدث مع فريدة عثمان، والفرحة بانتصار يحققه بطل مصرى، تعنى أن هذا الانتصار يمس الكبرياء الوطنى، وهو كذلك فى شتى دول العالم. ولذلك تظل قضية الرياضة فى مصر محل اهتمام.
** كانت الرياضة المصرية فى النصف الأول من القرن العشرين نشاطا فرديا يعتمد على القوة الفطرية والموهبة البدائية، ثم أصبحت الرياضة نشاطا اجتماعيا مع ثورة يوليو. وبعد سنوات وسنوات، أصبحت الرياضة محل اهتمام الأسرة، فتدريب الأولاد يمضى بجانب دروس الأولاد. وعلى الرغم من اهتمام الأسرة المصرية بممارسة الأبناء للرياضة إلا أن عدد الممارسين مازال بعيدا فى مختلف اللعبات لأسباب معروفة مثل قلة الملاعب وقلة الأندية، وتكلفة الاشتراك، وتكلفة الممارسة، وبالطبع هناك ممارسة بحثا عن البطولة. وهناك ممارسة للممارسة بحثا عما تنميه الرياضة فى الأبناء من قيم. إن أرقام الممارسين للرياضة فى مصر مخيفة لقلتها.. وهى لا تناسب التعداد السكانى.. وتلك قضية يطول فيها الحديث.. فالدستور ينص على أن ممارسة الرياضة حق لكل إنسان. لكن الرياضة ليست جزءا من الحياة اليومية للمواطن.
** هناك تأثيرات سلبية على قدرة الطفل المصرى والمواطن لممارسة الرياضة مثل المستوى الثقافى، والمعيشى، والاقتصادى، وبوضوح دعونا نعترف أن الرياضة ليست نشاطا أساسيا ولكنها ترف، بينما الرياضة فى دول العالم الأول جزء من السلوك اليومى للمواطن.
** لقد اهتمت مصر فى بداية الخمسينيات ومع ثورة يوليو بنشر ممارسة الرياضة، وانصب الاهتمام على بناء المنشآت، مثل استاد القاهرة واستادات المحافظات، لكن على مدى نصف قرن غاب عن الدولة فكرة بناء ثقافة رياضية تنمى عند المواطن أهمية الرياضة وقيمها. ولذلك وبمضى الوقت بدت بعض المنشآت مثل تماثيل أو أصنام شاهدة على دور الدولة، وكثير من المنشآت لاسيما فى الأقاليم غاب عنها الممارسون، وغابت عنها الصيانة فسكنتها الأشباح، ولولا دورات ومناسبات كبرى لما عادت الروح إلى تلك المنشآت، كما حدث فى كأس الأمم الإفريقية 1974 بالقاهرة ودورة الألعاب الإفريقية 1991.
** كذلك كان بناء آلاف مراكز الشباب فى حقبتى الخمسينيات والستينيات دون ثقافة الممارسة وراء جعل تلك المراكز مجرد شواهد على اهتمام الدولة بالرياضة قبل أن تشهد أخيرا آلاف المراكز تطويرا كبيرا فى الملاعب وفى إدارتها وفقا لخطة حولتها من شواهد على وجود الدولة إلى ملاعب من أجل الشباب.
** الحركة الرياضية منظومة متكاملة، فيها دور للدولة بالسياسة والتخطيط، وللاتحادات اللجنة الأولمبية كنشاط أهلى، وللأفراد وسلوكهم، ووعيهم، وأهدافهم. والمدرسة بما تنميه من ثقافة وفكر فى نفس الطفل، والأندية التى تصنع الخامات والمواهب، والمراكز التدريبية العلمية رفيعة المستوى، وهذا كله يجب أن يسير مع خفض تكلفة ممارسة الرياضة على كل المستويات.. بالمعنى الحرفى لخفض التكلفة، حتى لا تصبح ممارسة الرياضة نشاطا ترفيا، أو بعيدا عن متناول البسطاء.. لكن هذا يظل صناعة للقاعدة. ولا يكفى ولا يصلح لصناعة بطل عالمى أو أولمبى، فهذا النوع من الأبطال يمكن أن ينفق عليه ما ينفق على إتاحة الفرصة ألف شخص لممارسة أى لعبة.
** يبقى دور الإعلام الذى بات مطالبا بتحديد فواصل واضحة بين البطولة الحقيقية والأبطال الحقيقيين، وبين البطولة المزيفة والأبطال المزيفين، فلا بطل ولا بطولة بدون تميز وتفرد سواء من أجانب الفرد أو من جانب الفريق.. وهذا كله يصنع جوهر الحركة الرياضية فى مصر وفى أى دولة.