إنعاش عملية إعادة غزة المتعثرة
العالم يفكر
آخر تحديث:
السبت 2 سبتمبر 2017 - 10:10 م
بتوقيت القاهرة
نشر مركز بروكنجز الدوحة تقريرا للكاتبين سلطان بركات وفراس المصرى، يتناولان فيه حال قطاع غزة بعد سنوات من الحرب والحصار وما وصل إليه من دمار ومعوقات تحقيق إعادة إعمار البلد المنكوب.
استهل الكاتبان التقرير بالإشارة لوضع قطاع غزة حاليا، حيث مضت ثلاث سنوات منذ انتهاء الاعتداء العسكرى الأخير على قطاع غزة ولا يزال فى حالة دمار يفتقر أهله إلى مساكن دائمة، محرومون من البنية التحتية الأساسية. مأساة يومية يعيشها سكان غزة ومع بطء عملية إعادة الإعمار، أدى غياب فرص العمل إلى انتشار البطالة، فغدت غزة بالكاد قادرة على تأمين لقمة العيش لسكانها. فى الوقت عينه، يزيد الحصار الإسرائيلى والحصار البحرى ويعزلان غزة عن العالم الخارجى، وتحولت إلى سجن فى الهواء الطلق.
***
ما هى آلية إعادة إعمار غزة؟
هى آلية متعددة المستويات تشارك فيها الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية والأمم المتحدة. رُوج لها باعتبارها وسيلة للتنسيق بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية لتعجيل عملية إعادة الإعمار وتسهيل مرور مواد البناء إلى غزة، وتنسيق أعمال الحكومة فى المناطق والسلطة الفلسطينية. وأدت الأمم المتحدة دور الوسيط بين الطرفين. ومن المفترض أنها لن تعالج المخاوف الأمنية الإسرائيلية فحسب، بل ستعزز أيضا ثقة الجهات المانحة، مما سيؤمن التمويل اللازم لعملية إعادة الإعمار. وتم إنشاء نظام موسع من عمليات التفتيش والمراقبة للواردات القادمة إلى غزة؛ بسبب مخاوف إسرائيل الأمنية.
وتهدف إلى تمكين حكومة فلسطين من قيادة جهود إعادة الإعمار؛ تمكين القطاع الخاص فى غزة؛ طمأنة الجهات المانحة من أن استثماراتها فى أعمال الإعمار فى غزة ستنفذ بدون تأخير؛ معالجة المخاوف الأمنية الإسرائيلية المتصلة باستخدام مواد البناء.
إلا أن الكثير من هذه الأهداف لم يتحقق فى أثناء التنفيذ حيث أُعطيت الأولوية لمخاوف إسرائيل الأمنية. ولم تُمنح السلطة الفلسطينية ولا حماس سلطة فى عملية إعادة الإعمار وتم التقليل من شأن قيادة «حكومة فلسطين». واستمر البناء بوتيرة بطيئة ومع تأخير كثير، مما حال دون تشجيع الجهات المانحة على التسريع فى سداد المساعدات إلى غزة.
***
عوائق إعادة الإعمار
أولها قدرة الوصول المحدودة إلى داخل الأراضى وخارجها، وهو أمر فرضته السلطتان الإسرائيلية والمصرية. من خلال معابر (كرم أبوسالم) فى الجنوب (بيت حانون) فى الشمال، معبر رفح الحدودى. ولا تصل الكميات الضرورية من المساعدات الإنسانية ومواد البناء لإعادة إعمار غزة بشكل فعال. وثانيها الخلافات السياسية الجارية بين حركة حماس ومصر وإسرائيل والسلطة الفلسطينية بقيادة حركة فتح من جهة أخرى. إذ لا تثق كل من مصر وإسرائيل بحركة حماس وتعتبرانها تهديدا أمنيا.
وثالثها قضايا التمويل إعادة الإعمار. فلم يتم الوفاء بجزء كبير من وعود إعادة إعمار غزة. ومن أصل مبلغ 5,4 مليار دولار الذى تم التعهد به فى مؤتمر القاهرة فى 2014، تم تخصيص أكثر من نصفه لمشاريع إعادة إعمار غزة، ولكن لم يتم تسديد سوى 51 فى المائة منه حتى تاريخ 31 ديسمبر 2016. فقد استحوذ شعور بعدم جدوى الجهود على بعض الجهات المانحة الغربية، بعد أن رأت استثماراتها السابقة تتبخر فى نيران الحرب للمرة الثانية، أو المرة الثالثة فى بعض الحالات، مما جعلها تخشى تقديم المزيد من الأموال. ومن جهة أخرى، أظهرت دول الشرق الأوسط مواقف سياسية تعكس استقطابا يندرج فى معسكرين بعد الربيع العربى تجاه حركة حماس ومن ثم تجاه ارسال المساعدات. وتواصل الجهات المانحة على مضض تقديم الهبات لغزة، فهى فى حلقة دائمة من الدمار وإعادة الإعمار.
رابعها أن التوصل إلى تسوية سياسية بين الحكومة الإسرائيلية والسلطة الفلسطينية تبدو كأنها حلم بعيد المنال. مع إنشاء الائتلاف الإسرائيلى الحاكم الأكثر تحفظا، وافتقار رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو إلى الإرادة السياسية للتفاوض مع الفلسطينيين بالإضافة إلى تعنت السلطة الفلسطينية وحركة حماس وعجزهما عن تشكيل حكومة وحدة.
الافتقار للملكية المحلية
ويشير الكاتبان إلى أن غياب المجتمع المدنى فى غزة وحركة حماس عن ترتيبات آلية إعادة إعمار غزة كان واضحا. حيث لم تتم مشاورة أعضاء المجتمع المدنى فى غزة أو حماس على المستوى الأساسى وبالتالى لم تؤخذ احتياجات سكان غزة بالاعتبار على النحو اللازم فى خلال تطوير الآلية. ولم تتم استشارة سكان غزة إلا بعد اقرارها وبالتالى لم يكن أمامهم سوى قبولها رغما عنهم. ثم أجُرى مسحا لتقييم الأضرار واحتياجات سكان غزة فيما بعد.
لم يتسن لمجموعات المجتمع المدنى الاطلاع عليها إلا بعد مرور عام على وضعها. فيعتبرها أهل غزة أنها موضوعة من مجموعة من الغرباء الذين خططوا لإعادة إعمار الأراضى دون دراسة الاحتياجات الفعلية للمجتمعات المحلية.
مأسسة الحصار
فى حين لا يحظى سكان غزة سوى بالقليل من الملكية على الآلية، ويتحجج الإسرائيليين بالآلية للسيطرة على البضائع التى تدخل قطاع غزة. وحتى مع نظام التفتيش المتطور ومراقبة الواردات، لا يزال مكتب تنسيق أعمال الحكومة فى المناطق يجد سبلا لعرقلة عملية إعادة الإعمار أكثر فأكثر، من خلال ابتكار طرق جديدة لإبطاء دخول مواد البناء. حيث ترْك الأمر فى يد الطرف الأقوى ولم تٌنفذ الآلية.
تأثير مضاعف
تلك القيود تمثل «حربا اقتصادية». وقد ترتب على هذه السياسات آثار كبيرة على وضع الاقتصاد عموما فى قطاع غزة. وبسبب صعوبة الحصول على المواد الخام؛ صرفت الشركات الكثير من مستخدميها، مما أدى إلى مشكلة إضافية تضرب المجتمع الذى يعانى أصلا ارتفاع معدلات البطالة.
***
التوصيات
أضاف الكاتبان أنه فى ظل غياب حل طويل الأمد للنزاع الإسرائيلى الفلسطينى، لم يبق الإسراع بعملية إعادة الإعمار. وبعد الأخذ فى الاعتبار تعقيدات إعادة الإعمار فى غزة التى ولدتها آلية إعادة إعمار غزة والحصار والمأزق السياسى مع حركتى فتح وحماس، تبرز عدة إجراءات يمكن اعتمادها للتخفيف من حدة هذه المشكلات.
وذلك من خلال تفعيل دور المجتمع المدنى فى غزة للقيام بدور أكبر فى مراقبة المواد، ومنح الجهات المانحة دورا أقوى فى عملية المراقبة حتى تولد الثقة فى العملية وتزيد تدفق أموال الجهات المانحة إلى القطاع. وزيادة التركيز على مشاريع البنى التحتية حتى تستحدث أكبر قدر من فرص العمل فى جميع أنحاء غزة.
إعادة إحياء المصالحة حيث يؤدى المأزق السياسى المستمر إلى ركود عملية إعادة إعمار غزة. بالتالى، تحتاج حركتا فتح وحماس إلى معالجة المظالم الاقتصادية والسياسية بينهما. أما القاهرة فعليها مواصلة التوسط بين هذين الفصيلين الفلسطينيين لكن أولا لابد للسيسى أن يتصالح مع حماس.
حل آلية إعادة إعمار غزة من خلال تسليم سكان غزة زمام الأمور فى عملية إعادة الإعمار، حتى يشاركوا فى تطوير آلية بديلة لإعادة الإعمار، ويقوموا بإعادة ترتيب توازن القوة، للحد من التكاليف ويسمح للأمم المتحدة بأن تنسحب من وضع أضر كثيرا بسمعتها كوسيط واعٍ ومدرك فى هذا الصراع.
طرح مراقبة الجهات المانحة
ستساهم آلية جديدة لتوزيع مساعدات إعادة الإعمار على سكان غزة فى تجديد الاهتمام لدى الجهات المانحة بالوفاء بتعهداتها وإحياء تدفق المساعدات من جديد. ولذلك على المنظمات الدولية أن تستخدم الآلية الجديدة للتشجيع على الوفاء بالتعهدات المعلنة فى مؤتمر القاهرة عام 2014. بالإضافة إلى ذلك، ينبغى تشجيع الجهات الفاعلة الإقليمية على تقديم دعم أحادى الجانب إلى غزة فى محاولة لتسريع عملية إعادة الإعمار.
التركيز على البنية التحتية ينبغى أن يتحول تركيز جهود إعادة الإعمار نحو مشاريع البنى التحتية حتى تكون أكثر فعالية، بأن تهدف إلى تأمين فرص عمل لسكان غزة فى هذه المرحلة بدلا من مشاريع الأبنية غير الضرورية، مثل مراكز التسوق والمساجد المزخرفة، التى قد ترفع معنويات بعض المواطنين فى غزة، لكنها لا تحسن حياتهم على المدى الطويل. فالأفضل الاهتمام بمشاريع البنى التحتية مثل محطات تحلية مياه البحر ومحطات توليد الكهرباء وإعادة تأهيل الطرق لأنها تؤدى لاستحداث فرص عمل محلية طويلة الأجل.
وقد أمنت اتفاقية المصالحة التى أُبرمت بين إسرائيل وتركيا فى العام الماضى فرصة فريدة لتحقيق ذلك. فبموجب اتفاقية المصالحة، وافقت إسرائيل على السماح لتركيا بإرسال أطنان من المساعدات الإنسانية عبر ميناء «أشدود» الإسرائيلى متفادية الحصار، وقد سمح لتركيا بالمساهمة فى الكثير من مشاريع البنى التحتية، بما فى ذلك بناء محطة لتحلية المياه ومحطة لتوليد الكهرباء ومستشفى. وتمكن سكان غزة من إعادة بناء منازلهم والعثور على وظائف بإمكانها تأمين الوسائل اللازمة لإعالة أسرهم على الأقل.
***
ينتهى التقرير إلى أنه ما من طريقة لتفعيل عملية إعادة إعمار غزة سوى الانفتاح على البدائل من خلال تمكين وجهات نظر جديدة ومحلية. والتى لن تحقق إمكانياتها أبدا إذا لم تنظر الأمم المتحدة وغيرها من أصحاب المصلحة، ومن ضمنها إسرائيل، فى أمر إلغاء آلية إعادة إعمار غزة. فحرمان سكان غزة من فرصة تحسين حياتهم سيحول القطاع إلى مكان أشبه بالسجن. واختتم تقرير الأمم المتحدة عن غزة بأن «حياة سكان غزة اليومية فى العام 2020 ستصبح أسوأ مما هى عليه الآن» ومن الصعب تخيل ذلك، لأن غزة منطقة غير صالحة للسكن فى يومنا الراهن. وإذا تحقق التقدم السياسى، ستتضاءل القيود المفروضة لسنوات على غزة. وستعود مجددا مواد البناء وفرص العمل إلى هذا المجتمع الذى كان مزدهرا فيما مضى. من ناحية أخرى، سيشكل الحفاظ على الوضع الراهن فى غزة إخفاقا آخر فى تاريخ المساعدات الإنسانية، مما يطعن فى جدوى منظمات المساعدة الدولية والغرض منها.
النص الأصلى http://brook.gs/2v1zP4p