«نوب».. عصر رعب «بييل» الجديد!
تامر شيخون
آخر تحديث:
الجمعة 2 سبتمبر 2022 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
المخرج رؤية. هكذا نجح المخرج الأمريكى الأسود «جوردن بييل» خلال خمسة أعوام فقط ومن خلال فيلمين لا ثالث لهما «Get Out» و«US» فى فرض رؤيته الجديدة عن سينما الرعب حتى أصبح اسمه إحدى العلامات التجارية الأكثر جاذبية لجمهور ونقاد السينما فى العالم.
نوعية أفلام الرعب رغم رواجها التجارى تاريخيا، إلا أنها تعانى من فقر فى الأفكار والتناول. فمعظمها حبيسة قوالب مُسْتَهْلَكَة من قصص القتلة المحترفين، أو البيوت المسكونة أو الوحوش آكلة اللحوم.
عن فيلمه الثالث «نوب» «Nope»، صَرَّحَ بييل أنه بصدد صُنْع فيلم للمشاهدة فى صالات السينما. وهو يدلل بذلك على نيته استغلال أدواته الخاصة لاستعادة سحر الشاشة الفضية بعد تراجع مكانتها لصالح مشاهدة الأفلام عبر شاشات التلفزيون والموبايل والمنصات الرقمية الحديثة.
لجأ نيل إلى تقنية «أى ــ ماكس» المتطورة فى تصوير الفيلم وهو ما انعكس جَلِّيَا على جودة ورونق الصورة.
يحكى نوب عن مزرعة خيول عتيقة، تخصص صاحبها «أوتيس هاى» فى ترويض وتوريد الخيول لصُنْاَّع السينما فى هوليود. يتوفى هاى فوق جواده فى حادثة غامضة بعدما اخترق جسم غريب مقذوف من السماء جمجمته فيرث ابنه أو جى «دانيل كولويا» المزرعة ويضطر أن يدير شئونها بالمشاركة مع أخته إيميرالد «كيكى بالمر» التى غادرت المزرعة سابقا لشق طريقها فى هوليود. أكبر عملاء المزرعة صاحب المدينة الترفيهية «جوب» لديه أيضا قصة مثيرة حدثت فى طفولته، حين كان نجما تلفزيونيا مشاركا فى مسلسل شهير عن عائلة تقتنى قردا أليفا. فى أثناء تصوير إحدى الحلقات المشئومة يفقد القرد الأليف صوابه ويقتل كل من فى موقع التصوير ولا ينجو سوى الطفل جوب.
يواجه الشقيقان ظاهرة غامضة فى السماء فوق المزرعة فيضعان خطة لرصدها أو تصويرها من أجل بيع الصور لوسائل الإعلام والاستفادة من العائد المادى. فهل ينجحون؟ وإلى أين ستقودهم تلك المغامرة؟
نحن أمام تجربة سينمائية فريدة، يستثير فيها نيل فضولنا عبر أدوات الصمت والظلال والتلاعب بالإضاءة والمساحات الواسعة المظلمة. الرعب عند بييل صوته خفيض بلا ضوضاء لكنه كافٍ جدا لشحذ حواسك من البداية إلى ستارة النهاية!
تصميم المشاهد «خصوصا الليلية» بديع مثل المنزل والمزرعة فوق الربوة، تشكيلات السحاب فى البرارى، أضواء الإنارة فى غسق الليل، تسلسل المشاهد كفيل برفع معدلات الأدرينالين دون قطرة دم واحدة.
ما يميز أفلام بييل أنه دائما يمرر رسائل رمزية عبر قصصه البسيطة. الرمزية فى فيلميه الأولين كانت واضحة ومباشرة. Get Out صرخة فى مواجهة العنصرية. أما Us فأطلق صفارة إنذار ضد الرأسمالية التى دمرت العلاقات الأسرية وصنعت من الأشخاص المسالمين نسخا مشوهة.
أما فى «نوب»، فنحن أمام رموز أكثر غموضا وتعقيدا، قد تتعدد فيها تفسيرات الرموز حسب رؤية كل مشاهد.
مثلا، فى إحدى المراجعات النقدية للفيلم بمجلة Times، عُرِضَت أربعة تفسيرات مختلفة لرموز الفيلم!
المؤكد أن بييل فى الفيلم يعلن تمرده على أسس صناعة السينما والإعلام فى هوليوود ومتجارتها بآلام البشر أو الحيوان على حدٍ سواء!
وفى كل الأحوال لن يعيقك فك رموز الفيلم عن الاستمتاع بحدوتة مُحْكَمَة الصنع سينمائيا. لكن حتما إدراكها سوف يكمل متعة المشاهدة!
كالعادة نجح بييل فى أن يطلق أفضل ما فى ممثله المفضل «كولويا» ليتألق مجددا بأداء أكثر نضجا وإن عابه أحيانا المبالغة فى البرود حتى فى مشاهد تطلب إظهار انفعالات القلق بشكل أقوى.
أما الاكتشاف الحقيقى فهو فى الأداء التمثيلى المُفْعَم لأخته «كيكى بالمر»، الأخت المنطلقة، العنيدة، المتمردة، الحالمة بأمجاد هوليود.
كيمياء التضاد بين الأخ والأخت التى خلقها السيناريو الدقيق فى رسم الشخصيتين سمح لكليهما بالاستمتاع بتلك الحالة الإبداعية من التفاعل بين الأخ الصامت المنطوى والأخت الثرثارة المنطلقة.
ربما كانت نقطة الإحباط الوحيدة بالنسبة لى هو تحقق أحداث الرعب. الترقب عند بييل مميز ومختلف عن السائد. لكنه لم ينجح تماما أن يجعل أحداث الرعب الكبرى المنتظرة على نفس درجة الابتكار والاختلاف من مثيلتها فى أفلام الرعب الرائجة.
على كل الأحوال بفيلمه الثالث، أكد بييل أننا نعيش حقبة جديدة من أفلام الرعب «الرمزية» وأن اسمه يستحق أن يحتل مرتبة الزعامة لسينما الرعب فى العصر الحالى.