حوار معجل أم انهيار مؤجل؟
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 2 سبتمبر 2024 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
أحد أوجه الانقسام القائم والمتزايد فى لبنان مع «حرب غزة» وثم استراتيجية وحدة الساحات، والذى يسهم فى تكريس الشلل المؤسساتى، بسبب الفراغ فى الموقع الأول فى السلطة: رئاسة الجمهورية، وبالتالى وجود حكومة تصريف أعمال، وليس حكومة مكتملة الصلاحيات، يتعلق بالذهاب إلى الحوار بين الأطراف السياسية الفاعلة. هنالك شبه قناعة تزداد رسوخًا مع الوقت أن انتخاب الرئيس يرتبط بالتسوية أيًا كانت طبيعتها. التسوية التى سيتم يوما التوصل إليها فى غزة: تاريخ أزمات لبنان وانتخاب الرئيس بشكل عام تندرج فى ما صار إرثًا أو شبه تقليد سياسى أو نوعًا من القدرية السياسية فى لبنان. يصف البعض الوضع الراهن غضبًا أو استسلامًا لواقع أو تهكمًا بأن الطريق إلى بعبدا (الرئاسة) ينطلق من غزة مرورًا بمحطات أخرى للتوصل إلى التفاهم الذى ينتج سياسيًا الرئيس فى شخصه أو فى السمات والشروط التى يجب أن تتوافر فيه، ثم يختاره أو ينتخبه المجلس النيابى حسبما سبق.
لكن الوضع الراهن مقارنة مع ماضى التجارب اللبنانية يتسم بوجود عناصر ثلاثة تزيد من تعقيدات التوصل إلى التسوية رغم ازدياد الحاجة إلى ذلك:
أولًا، تسارع مسار الانهيار اللبنانى الاقتصادى والسياسى بتداعياته المختلفة ما يستدعى الإسراع فى وقف النزيف الحاصل والقاتل فى «الجسم» اللبنانى. فعنصر الوقت أكثر من مهم فى هذا المجال، فيما يزداد الاستقطاب حدة بالتالى يزداد الشلل السياسى.
ثانيًا، الأزمة المستمرة والمتصاعدة ولو المنضبطة لدرجة ما حتى الآن بحروبها المختلفة والمتعددة والمتداخلة ليست مقيدة هذه المرة فى الإطار اللبنانى كما كانت فى الماضى مما كان يسهل من احتوائها وتسويتها. صارت اليوم أشمل وأوسع بجغرافيتها وأطرافها وتعقيداتها وفى طبيعة المواجهات الحاصلة وتشابكها بالأدوار والأهداف وتداعياتها المختلفة ربحًا وخسارة على مستوى الإقليم الشرق أوسطى ككل.
ثالثًا، الشرق الأوسط اليوم مسرح مواجهات، ولو بدرجات مختلفة، يمتد من الخليج مرورًا بالبحر الأحمر وصولًا إلى البحر الأبيض المتوسط. وستحكم تداعيات ونتائج الحروب القائمة طبيعة النظام الإقليمى الجديد الذى سيتبلور من هذا المخاض المفتوح فى الزمان والمكان وكذلك أوزان وأدوار القوى الإقليمية وطبيعة تفاهماتها التى ستحكم لدرجة كبيرة طبيعة العلاقات فى الإقليم.
فى خضم هذا الوضع هل يبقى لبنان فى غرفة الانتظار؟ هذا هو السؤال المطروح بقوة.
فى الدول التى تحكمها المؤسسات، عندما يحصل فراغ فى السلطة أيًا كانت الأسباب ما يشل أو يضعف عمل ودور المؤسسات الأساسية، ولبنان ليس من هذه الفئة، يجرى الإسراع، ولا نقول التسرع، فى العمل على ملء الفراغ الحاصل بغية انتظام عمل المؤسسات وعودتها للقيام بدورها ومهامها الوطنية، أيًا كانت الخلفيات السياسية، خاصة أمام التحديات الجسام التى تهدد الدولة. لكن فى لبنان فإن السلطة تقوم عمليًا وواقعيًا على فيدرالية من المذهبيات السياسية التى تناقض بطبيعتها منطق وثقافة دولة المؤسسات. لكن لا يجوز ولا يجب الاستمرار فى الرضوخ لهذا الوضع السائد. نحن اليوم بأمس الحاجة للتفاهم حول مقترح الحوار الذى طرحه رئيس المجلس النيابى باسم «الطرف» الذى يمثله ورفضه «الطرف الآخر» باعتبار أن هدف هذا الحوار، كما يردد الطرف الأخير، هو تمرير مرشح الطرف الأول إلى رئاسة الجمهورية، بسبب المعطيات القائمة على أرض الواقع وطبيعة الحوار وتنظيمه وإدارته كما هو مطروح. وغنى عن القول إنه من السهل الاستمرار فى حوار اللاحوار الحاصل، أو ما يمكن وصفه بحوار الطرشان، وتوفير الحجج والبراهين عند كل طرف حول مسئولية الآخر بشأن استمرار الفراغ الحاصل والمدمر والذى تزداد تكلفته على الجميع مع مرور كل يوم.
إن المطلوب اليوم لإنقاذ لبنان من مسار الانهيار السريع والمستمر منذ سنوات، حوارًا جادًا شاملًا، من حيث القضايا والمشاركة، حول «حزمة اتفاق»، كما ذكرنا مرارًا فى الماضى وذكر الكثيرون. من الطبيعى والصحى أن نختلف فى السياسة وفى الأولويات السياسية وفى التنوع العقائدى والفكرى، وهذا مصدر إغناء للوطن. لكن لا يمكن ويجوز ألا يكون ذلك على حساب ما يجب أن نتفق عليه من قواعد وأسس لبناء وإدارة الدولة وللأولويات الناظمة للحياة الوطنية ولعلاقاتنا الخارجية: إنه مسار ليس بالسهل والبسيط ولكنه بالضرورى «لإنقاذ المركب اللبنانى من الغرق».
حزمة الاتفاق فى الحوار المطلوب تبدأ بالاتفاق على برنامج إصلاح (اسميه برنامج إنقاذ) متعدد الأوجه شامل وتدريجى يجرى الالتزام به وبكل مندرجات، والاتفاق على تشكيل «حكومة مهمة» تكون بمثابة فريق عمل وانتخاب الرئيس الذى يستطيع أن يقود سفينة الإنقاذ. الرئيس الذى يملك الرؤيا والإرادة والالتزام بمفهوم دولة المؤسسات وتعزيز هذا المفهوم على صعيد الممارسة وبضرورة الإصلاح الشامل والتدريجى وبدور ناشط وفاعل للبنان على الصعيدين الإقليمى والدولى، الأمر الذى يسهم فى تعزيز الأمن الوطنى للبنان.
خلاصة القول إنه فى خضم التحديات المتعددة والمترابطة التى تعصف بلبنان والمنطقة علينا الإسراع فى تكوين السلطة القادرة على التعامل بنجاح مع التحديات الخارجية والداخلية التى يواجهها لبنان. فماذا ينفع الصراع من أجل الإمساك بالسلطة باسم عناوين وشعارات مختلفة.. فيما ينهار الوطن وتتفكك الدولة؟