الصين تشق دربها نحو «عالم واحد بنظامين».. مع هاريس أو ترامب!
مواقع عربية
آخر تحديث:
الإثنين 2 سبتمبر 2024 - 8:00 م
بتوقيت القاهرة
قبل أيام، قام مستشار الأمن القومى الأمريكى، جيك سوليفان، بزيارة تاريخية للصين. فى ضوء ذلك، نشر موقع 180 مقالًا للكاتب سميح صعب، تناول فيه مدى اختلاف النقاشات الأمريكية الصينية خلال هذه الزيارة عن مثيلاتها السابقة. ذكر الكاتب أيضًا سبب ارتياح الصين لهاريس أكثر من ترامب، رغم أن بكين لا تتخذ موقفًا معلنًا من المرشحين الاثنين للرئاسة الأمريكية.. نعرض من المقال ما يلى:
فى عالم يغلى على نار الحروب المستعصية على الحل، أتت زيارة مستشار الأمن القومى الأمريكى جيك سوليفان إلى بكين قبل أيام، لتحمل عناوين تتجاوز تنظيم التنافس الثنائى بين أكبر اقتصادين فى العالم فى منطقتى المحيطين الهادىء والهندى، لتلامس أزمات دولية، يُهدّد توسعها مصالح أمريكا والصين، على حد سواء.
اعتاد جيك سوليفان الاجتماع دوريًا بوزير الخارجية الصينى وانج يى فى الخارج لتهدئة التوترات بين أمريكا والصين، من مضائق تايوان إلى بحر الصين الجنوبى، إلى الاحتكاكات المتكررة بين البحريتين الصينية والفلبينية، إلى ظهور المناطيد الصينية فى السماء الأمريكية العام الماضى. وهناك نقطة مهمة أكسبت الزيارة مزيدًا من الأهمية، وهى أن سوليفان أول مستشار للأمن القومى الأمريكى يزور الصين منذ 2016. لا بد إذن من أسباب أساسية تستدعى هذه الزيارة.
• • •
لا يغيب عن الزيارة، التى استمرت ثلاثة أيام، كونها أتت فى خضم الحملات الانتخابية الرئاسية الأمريكية التى تضع المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس فى مواجهة المرشح الجمهورى دونالد ترامب.
فى العلن، لا تتخذ الصين موقفًا من المرشحين الاثنين. لكن بالطبع يُقلقها تعهد ترامب بفرض تعرفة جمركية بنسبة 60 فى المئة على البضائع الصينية فى حال عاد إلى البيت الأبيض، ولم تنسَ بعد حملته القوية على بكين عقب تفشى «كوفيد-19» قبل أربع سنوات، إذ إن الرئيس الجمهورى حمّل الصين المسئولية عن الوباء وأطلق عليه «الفيروس الصينى». وبالتالى تعنى فرضية عودته احتمال اندلاع حرب تجارية أخطر بكثير من تلك التى أثارها فى ولايته بين عامى 2017 و2021.
أما هاريس فترى فى تعهد ترامب رفع التعرفات الجمركية «جنونًا»، فى الوقت الذى لمّحت إلى عزمها فى حال فوزها بالاستمرار فى السياسة التى انتهجها الرئيس جو بايدن خلال رئاسته، والتى قامت على «تنظيم التنافس» بين واشنطن وبكين عالميًا، وإبقاء الاتصالات السياسية والعسكرية مفتوحة بين الجانبين تفاديًا لصدام مباشر.
قد تكون الصين، وإن لم تُفصح عن ذلك، أكثر ارتياحًا للتعامل مع هاريس برغم أنها لم تزر الصين أبدًا، وذلك لأن المرشح لمنصب الرئيس على لائحتها حاكم مينيسوتا، تيم والز، زار الصين أكثر من 30 مرة، وعمل مدرسًا للتاريخ واللغة الإنجليزية فى جنوب الصين بين عامى 1989 و1990، أى فى الفترة التى جرت فيها أحداث ساحة تيان آن مين.
ويُركّز الحزب الجمهورى فى حملاته الرئاسية على زيارات والز، ويعتبر أن هاريس ستكون متساهلة جدًا مع الصين بسبب تيم والز. وهناك نواب جمهوريون يطالبون بفتح تحقيق فيما يصفونه بـ«العلاقات الودية» بين والز وبكين.
عمومًا، لم تكن إدارة بايدن، ودية حيال الصين فى كثير من المجالات خصوصًا فيما يتعلق بالقيود التى فرضتها على الشركات الأمريكية التى تُصدّر أشباه الموصلات إلى بكين وأنواع أخرى من التكنولوجيا المتقدمة، وفرضت موجات متتالية من العقوبات على شركات صينية بتهمة التعامل مع روسيا وإيران. واتخذ بايدن موقفًا متشددًا فى قضية تايوان، بعد الهجوم الروسى على أوكرانيا قبل سنتين ونصف السنة، وأعلن أنه سيدافع عن الجزيرة فى حال حصول غزو صينى، فى تخلٍ واضح عن مبدأ «صين واحدة ونظامان».
ومع أن بايدن تراجع عن كثير من القرارات التى اتخذها ترامب، فإنه لم يلغِ التعريفات الجمركية كان فرضها سلفه على الواردات الصينية، ولم يكتف بذلك، بل أسبغ على التنافس مع الصين لباسًا إيديولوجيًا، عندما صور الصراع فى العالم أنه دائر بين «أنظمة ديمقراطية» تقودها أمريكا، و«أنظمة استبدادية» تتزعمها الصين وروسيا.
• • •
إلى الصخب الأمريكى الداخلى وما يمكن أن تفرزه انتخابات 5 نوفمبر من نتائج تنعكس، لا محالة، على العلاقات الأمريكية - الصينية، تحمل زيارة سوليفان فى طياتها اعترافًا أمريكيًا ضمنيًا بالحاجة إلى تعاون الصين لتهدئة توترات عالمية تكاد تخرج عن السيطرة. وفى الخلفية، تتسارع تطورات مقلقة فى الحرب الروسية-الأوكرانية، بعد الدخول الأوكرانى إلى منطقة كورسك الروسية، والردود الانتقامية لروسيا سواء على الجبهات أو بموجات القصف الصاروخى وأسراب المُسيّرات. وهناك الحرب الإسرائيلية المستمرة على قطاع غزة والضفة الغربية والجبهات المتوترة من لبنان إلى اليمن والعراق.. وصولًا إلى إيران.
لا تقف أمريكا عاجزة فقط عن وقف الحربين، مضافًا إليهما حرب السودان التى مضى عليها 500 يوم، بل تشى الوقائع أن العالم يشهد 56 نزاعًا فى الوقت الحاضر، وهو أعلى رقم منذ الحرب العالمية الثانية.. إلى ماذا يؤشر هذا؟
يسعى رئيس الوزراء البريطانى السابق جوردون براون فى مقال نشره فى صحيفة الجارديان البريطانية فى 24 أغسطس الماضى، إلى تفسير وصول العالم إلى مستوى من الخطورة لم يشهده منذ أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، فيقول: «العالم الذى تُشتت انتباهه الحملات الانتخابية المحلية، والانشغال بالانقسامات الداخلية، والتحولات الجيوسياسية المزلزلة تحت أقدامنا، يمشى نائمًا نحو مستقبل قائم على عالم واحد ونظامين، ومستقبل يضع الصين فى مواجهة أمريكا»، ليخلص إلى الاستنتاج بأننا ننتقل الآن من عالم أحادى القطب إلى عالم متعدد الأقطاب يتألف من مراكز قوى متعددة ومتنافسة.
والرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، ليس بعيدًا عن نظرة براون، وقد صاغ القلق الذى يساوره، بتحذيره أوروبا «من الموت»، فى حال لم تحدث نهضة تجعلها تلحق بالولايات المتحدة والصين تكنولوجيًا واقتصاديًا، لتحجز مكانًا فى العالم الجديد.
وإذا كانت الوقائع تتحدث عن نفسها، فإن أوروبا من دون أمريكا ما كانت لتُمكّن أوكرانيا من الصمود فى مواجهة روسيا، بينما الدور الأوروبى فى الشرق الأوسط لا سيما قدرته على التأثير بإسرائيل، يكاد يكون معدومًا.
فى السياقات الانتخابية والعلاقات الثنائية والتأزم الدولى، تندرج زيارة سوليفان لبكين، وتنقل صحيفة جلوبال تايمز الصينية، عن لى هايدونج، الأستاذ فى «جامعة الشئون الخارجية الصينية»، قوله إنّ التوترات بين الصين والولايات المتحدة بشأن تايوان أو بحر الصين الجنوبى أو الحرب التجارية أو قيود التكنولوجيا العلمية، لن تشهد، على الأرجح، الكثير من التحسن، طالما تستمر الولايات المتحدة فى اتباع استراتيجية احتواء الصين، وبالتالى أقصى ما يمكننا فعله هو التأكد من عدم تصاعد التوترات الحالية وخروجها عن نطاق السيطرة.