بعد هذا كله.. كيف تتوقعون عدم وجود «إرهاب»؟

من الصحافة الإسرائيلية
من الصحافة الإسرائيلية

آخر تحديث: الإثنين 2 سبتمبر 2024 - 7:55 م بتوقيت القاهرة

يا لها من مفاجأة! إن المقاومة الفلسطينية العنيفة فى الضفة الغربية ترفع رأسها. ها قد استيقظت «الوحوش البشرية» من سباتها، وبدأت بتفخيخ نفسها. لقد عاد إرهاب الانتحاريين، وجيش المحللين الإسرائيلى، لديه تفسير عبقرى: إنه المال الإيرانى. من دون هذا المال، لكانت الضفة هادئة؛ وفى وجوده، إن الناس هناك على استعداد للتضحية بأنفسهم، فقط من أجل الحصول عليه. يا لهذا «الأخطبوط» الإيرانى!

• • •

من السهل أن نعلّق كل ذنب وجناية على شمّاعة إيران. إسرائيل تحب ذلك. هناك «شيطان»، وهو إيرانى، وهو سبب كل شىء. ربما هناك حقًا مال إيرانى وربما لا، لكن تصاعُد منسوب العنف هو التطور الأكثر احتمالًا، والأكثر معقولية، فى ضوء ما يحدث فى الضفة الغربية على مدى أشهر الحرب الـ11 فى غزة.

طوال أشهر الحرب، حرثت إسرائيل الضفة الغربية وقلبتها، رأسًا على عقب، كما تحرث الآن طرقات طولكرم وجنين؛ ولم يبقَ منها شىء. هذه الهجمة هى الأكثر شراسة منذ عملية «السور الواقى» [اجتياح الضفة الغربية، بعد الانتفاضة الثانية]، وهى تفوقها قسوة، لأنها تجرى فى ظل هجوم آخر، أكثر وحشية فى غزة. وبعكس «السور الواقى»، لا يوجد لهذه الهجمة الحالية أى مبرر، أو ذريعة. لقد استغلت إسرائيل الحرب فى غزة لكى الضفة الغربية، وردّ الفلسطينيين تأخر، لكنه وصل.

الهجوم هذه المرة ذو شقين: فهناك الجيش الإسرائيلى وجهاز «الشاباك» وسلاح حرس الحدود، من جهة، والميليشيات الاستيطانية العنيفة، من جهة أُخرى. يعمل الطرفان باتساق، ولا يعرقلان نشاط بعضهما البعض. أحيانًا، يتداخل نشاطهما معًا، عندما يرتدى المهاجمون من سكان المستوطنات الزيّ العسكرى. يحرص الجيش على عدم التدخل، سواء فى الأمور الكبيرة، أو الصغيرة. فى هذا السياق، إن تصريح الضابط الذى حذّر فى نهاية الأسبوع الماضى من عنف المستوطنين، هو أمر لا يصدَّق، من حيث جرأته. قال الضابط: «يسبّب الإرهاب اليهودى ضررًا هائلًا بالأمن فى الضفة الغربية». وبالمناسبة، هو الضابط نفسه الذى كان يستطيع تكليف قواته وقف الإرهاب اليهودى منذ زمن بعيد. لم تُرتكب مذبحة فى الضفة الغربية لم يقف الجنود إزاءها موقف المتفرج، بل يشاركون فيها أحيانًا.

إن تاريخ 7 أكتوبر لا يشكل يوم نكبتنا فقط، بل هو يوم نكبة الشعب الفلسطينى أيضًا. فما تفعله إسرائيل فى غزة يتجاوز القدرة على التعبير، لكن إسرائيل لم تبقَ مكتوفة الأيدى فى الضفة أيضًا، بتشجيع من الوزراء الكاهانيين وصمت رئيس الوزراء، وسائر الوزراء، والشعب الإسرائيلى. لا شيء على حاله، ولا شيء يشبه ما ساد حتى تاريخ 6 أكتوبر، وعلى الرغم من أن الضفة لم يكن لها أيّ دور فى هجوم 7 أكتوبر. فإن ثلاثة ملايين فلسطينى استيقظوا فى الضفة الغربية، غداة اليوم التالى، على واقع جديد. أنا لا أدّعى، لا سمح الله، أن الوضع الذى كان سائدا قبلها كان إنسانيًا، أو شرعيًا. لكن البسطار الإسرائيلى [نوع من الأحذية العسكرية]، مدفوعًا بشهوة الدم والرغبة فى استغلال الفرص، زاد فى الدوس على عنق الضفة الغربية بلا رحمة.

تمت مصادرة ونهب وسلب عشرات الآلاف من الدونمات خلال هذه الأشهر، ولم تبقَ هناك، تقريبًا، تلة فى الضفة الغربية، إلا ورُفع عليها علم إسرائيلى، أو أُنشئت عليها بؤرة استيطانية، ستصبح مدينة يومًا ما. لقد عادت الحواجز بكل قوتها أيضًا، فلا يمكن الانتقال من مكان إلى آخر فى الضفة من دون الاصطدام بها، والوقوف فى طوابيرها على مدار ساعات طويلة، تحت وطأة المذلة. لا يمكن للفلسطينى فى الضفة أن يطمح إلى التخطيط لأى شىء، فى ظل واقع فقد فيه ما لا يقلّ عن 150 ألف شخص مصدر رزقهم، بعد حظر العمل فى إسرائيل تمامًا. لقد عوقب الجميع بسبب السابع من أكتوبر، إن آثار 11 شهرًا من البطالة بدأت تظهر، فما الذى كنتم تتوقعونه؟

بحسب معطيات الأمم المتحدة، قُتل 630 فلسطينيًا فى الضفة الغربية منذ بدء الحرب، وسقط 140 منهم بواسطة هجمات من الجو. ما هو مباح فى غزة، مباح فى الضفة. يقول الجندى الذى يخدم فى الضفة الغربية لنفسه «إن لم أكن فى غزة، فعلى، على الأقل، أن أتصرف كما يتصرف الجنود فى غزة». اسألوا أى فلسطينى عمّا ذاقه من هؤلاء الجنود. إن اليأس فى الضفة الغربية لم يكن بهذا الانتشار من ذى قبل. بعد هذا كله، أما زلتم تتساءلون عن منابع الإرهاب؟».

جدعون ليفى

هآرتس

مؤسسة الدراسات الفلسطينية

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved