توريث الزعيم الأوحد
سلامة أحمد سلامة
آخر تحديث:
السبت 2 أكتوبر 2010 - 9:44 م
بتوقيت القاهرة
يشهد العالم نماذج غريبة من أساليب انتقال السلطة ــ عسى ألا تكون مصر إحداها ــ تتناقض تماما مع التقدم الذى أحرزته الشعوب طوال القرنين العشرين والواحد والعشرين. وفى معظم الأحيان تكون غرابة هذه الأساليب نابعة من غرابة الشعوب وعدم قدرتها على التطور، بحيث باتت أشبه بديناصورات خلفها التاريخ، واكتسبت صلابة عزلتها عن العالم المحيط بها.. عن التأثير فيه والتأثر به. بل وعن التنبؤ بما يمكن أن يحدث فيها.
وما يجرى حاليا فى كوريا الشمالية من عملية انتقال للسلطة، يضع هذه الدولة التى يصعب التنبؤ بتصرفات زعمائها، والتى تمتلك القوة النووية وأسلحتها التدميرية، و المعزولة عن العالم وعن كل ما يعزز روابط حسن الجوار والتعاون مع جيرانها. وبالأخص مع جارتها اللصيقة كوريا الجنوبية.. فى قلب الأحداث. والمشكلة هى أن صلات الجغرافيا والدم والقرابة بين الدولتين الكوريتين لم تنقطع ولم تلتئم منذ نشوب الحرب الكورية فى الخمسينيات، وإقامة قواعد عسكرية أمريكية فى كوريا الجنوبية للدفاع عن النفوذ الأمريكى فى جنوب شرقى آسيا. وقد نشبت بين الكوريتين مناوشات وحروب. ولعبت الصين دورا مهما فى الدفاع عن كوريا الشمالية والنظام الشيوعى الذى تجذر فيها. ومازالت الصين تضع كوريا الشمالية ضمن المنظومة الاستراتيجية الآسيوية التى لا تسمح بالعبث فيها، سواء من كوريا الجنوبية أو من جانب اليابان والولايات المتحدة.
ومن وقت قريب، ترددت أنباء عن مرض الحاكم الأوحد كيم جونج إيل مرضا خطيرا. وكان قد تولى رياسة بلاده عام 1980 خلفا لأبيه كيم إيل سونج. وقيل إن كيم جونج إيل الرئيس الحالى حين أحس بوطأة المرض، سافر إلى الصين والتقى بزعمائها للحصول على مباركتهم وموافقتهم لتولى ابنه الثالث الأصغر كيم جونج أون السلطة بعد وفاته.
ومهما قيل عن انغلاق وفرادة هذا النوع من الأنظمة التى يشك الكثيرون فى أنها انقرضت واختفت من الوجود إلا فيما ندر، إلا أنها تظل فيما يبدو عاجزة عن الوقوف وحدها فى وجه الأعاصير الدولية، ولابد لها من أخ أكبر أو حليف يحميها ويدافع عن مصالحها. وهو ما تقوم به الصين رغم موافقتها على العقوبات التى فرضتها الأمم المتحدة على كوريا الشمالية.
لدينا فى العالم العربى نماذج تقترب كثيرا من هذا النوع من الأنظمة التى تتميز باستبداد السلطة وسيطرة الحزب الواحد والجيش وغياب أى تنظيمات مدنية أو حريات فردية، وشيوع «عبادة الفرد» التى تتمركز حول رئيس الدولة، والخضوع التام لتسلسل القيادات مما يجعلها أشبه بأسرة مالكة وليس بدولة ذات مؤسسات. ومن ثم كان من الضرورى أن يتم «ترفيع» الابن الأصغر إلى منصب يؤهله لرياسة الدولة. ومن أجل هذا عقد حزب العمال الحاكم فى بيونج يانج عاصمة كوريا الشمالية مؤتمرا عاما لأول مرة منذ 30 عاما لاختيار «هيئة قيادية عليا للحزب» وترقية الابن الثالث الأصغر كيم جونج أون لرتبة الجنرال، اعترافا به كوريث وحيد فى حالة الوفاة المفاجئة للزعيم الكورى.
ولسبب أو لآخر تبدو الأجيال الجديدة من حكام هذه الأنظمة العفنة أكثر اهتماما بالرياضة. فالوريث الجديد الذى تلقى تعليمه فى سويسرا لاعب كرة سلة ممتاز. وسوف يكون عليه أن يكسب ثقة أباطرة الحزب وقيادات الجيش. ويبدو أن كل ما يهم دول الجوار الإقليمى هو إقناع كوريا الشمالية بالانضمام إلى مجموعة الدول الست لنزع السلاح فى جنوب شرقى آسيا. خصوصا أن الصدام الذى وقع بين الكوريتين وأغرقت فيه سفينة تابعة لكوريا الجنوبية فى مارس الماضى، يلقى بظلاله على العلاقات بين البلدين.
ما يهم أمريكا ودول الغرب أن تتم فترة الانتقال الحالية دون مشاكل. فهناك مخاوف من انهيار النظام كلية فى حال اشتداد حمى المجاعة أو حدوث قلقلة فى صفوف الجيش، أو فى حال تخلت بكين عن تأييد النظام الجديد اقتصاديا. ومازالت هناك آمال فى الغرب أن يشهد النظام السياسى فى كوريا الشمالية تطورا على غرار ما حدث فى الصين على يد دينج شياوبنج من تحولات أفضت إلى التقدم المذهل الذى شهدته الصين بعد ذلك وأخرجتها من قبضة الحرس القديم للحزب الشيوعى إلى القادة الجدد الذين أعادوا بناء الصين على أسس حديثة!