ت. روزفلت: (قل قولاً لينا.. واحمل عصا غليظة)
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 2 أكتوبر 2010 - 10:55 ص
بتوقيت القاهرة
صكّ هذا التعبير الذى اخترته عنوانا للمقال، الرئيس الأمريكى الأسبق تيودور روزفلت فى بداية القرن الماضى. وقد ألحّت علىّ مقولته هذه وأنا أتأمل وضعنا الحالى فى مواجهة خصم عنيد قد لا تصلح معه المواجهة التقليدية، ولكن توجعه وتؤلمه وسائل وصور أخرى من صور المواجهة.
عن القول اللين فى تعاملنا مع إسرائيل فقد جربناه معها منذ ما يقرب من نصف قرن، بدءا بالقبول بالقرار 242، والتجاوب مع كل المبادرات والجهود السلمية التى تأسست عليه، ثم تبنى مبادئ مؤتمر مدريد، وتوقيع اتفاقية أوسلو وما تبعها من تفاهمات فى واى ريفر وكامب ديفيد وشرم الشيخ وطابا وأنابوليس، وكذلك ما جاء بخريطة الطريق. وجاءت مبادرة السلام العربية لعام 2002 لتعرض على إسرائيل ما لم تكن لتحلم به فى وقت من الأوقات، التطبيع الكامل مع كل الدول العربية وإقامة العلاقات معها، بل واعتبار النزاع العربى الإسرائيلى منتهيا متى قبلت إسرائيل ما ارتضاه وأجمع عليه المجتمع الدولى. وها هى السلطة الفلسطينية، وبمباركة عربية، تقبل الدخول فى مفاوضات غير مباشرة ثم فى مفاوضات مباشرة، وهى تعلم ونحن نعلم، أنه لا ضمان لأن تستجيب إسرائيل هذه المرة لما رفضته فى السابق.
لذلك، فإن هذه التفاهمات تبقى عديمة الأثر، وحبرا على ورق، طالما افتقدت إلى «أنياب حادة» تضمن تنفيذها، ويمكن أن تسبب الألم وتلحق الضرر إذا ما جرى الإخلال بها. هذا ما أوضحه بجلاء الأستاذ د. أحمد يوسف أحمد فى محاضرة قيمة له بالمجلس المصرى للشئون الخارجية. «العصا الغليظة» التى يجب ألا تفارقنا فى أى وقت.
يعلم الخصم، ويعلم العالم، علم اليقين، حجم إمكانات العالم العربى، وما حباه الله به من ثروات طبيعية، وما تشق أراضيه من ممرات وشرايين حيوية، وما يملكه من أرصدة نقدية، وما يستثمره فى مشروعات فى دول الغرب. أضف إلى ذلك تلك التجارة الرائجة للدول الغربية والأمريكية مع الدول العربية بخاصة تجارة السلاح التى تصب عوائدها المادية فى اقتصاديات الدول الغربية لتنتشلها من أزماتها فى الوقت المناسب. لسنا فى حاجة إلى تذكير الغير بكل هذا، ولكن ما نحتاجه هو تذكيره باستمرار بأن المنافع لابد أن تكون متبادلة، وأن الطريق يسير فى الاتجاهين. فكما ينتفع الغرب من إمكاناتنا، بل ويعتمد عليها فى تقدمه ورفاهيته، عليه أن يأخذ فى الاعتبار حاجاتنا ومصالحنا. بدون ذلك سيظل ميزان العلاقات على اختلاله الحالى، وسيستمر إهدارنا لمواردنا دون مقابل عادل. كنا ننتظر وقوف الدول الغربية إلى جانبنا عندما طالبنا فى المؤتمر الأخير لوكالة الطاقة الذرية بانضمام إسرائيل إلى معاهدة منع انتشار السلاح النووى وإخضاع مفاعلاتها للتفتيش. للأسف لم تفعل معظم الدول الغربية ذلك، ربما لأننا لم نستخدم ما لدينا من أوراق الضغط فى الوقت المناسب. ولا أقل من أن يتريث الاتحاد الأوروبى فى الاستجابة لمطلب إسرائيل فى رفع مستوى علاقاته معها إلى أن تُقلع عن ممارساتها وترفع من حصارها. والآن وبعد أن ضربت إسرائيل عرض الحائط بكل النداءات للامتناع عن استئناف النشاط الاستيطانى بعد 26 سبتمبر، لابد للعالم ألا يترك إسرائيل لتنجو بفعلتها هذه وتقوض عملية السلام الجديدة وهى مازالت فى مهدها.
هناك تطور مهم حادث على الساحة الدولية تعمل إسرائيل له ألف حساب، حيث نرى حملة نشطة عالميا تحت اسم «المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات» على إسرائيل Boycott, Divestment and Sanctions. كان المنطلق لهذه الحملة التوصية الصادرة عن محكمة العدل الدولية فى يوليو 2004 باعتبار إقامة الجدار العازل فى الضفة الغربية عملا ينتهك القانون الدولى، وأوصت بإزالة الجدار وتعويض الفلسطينيين المضارين من إنشائه. وعندما مضى عام على صدور التوصية دون إعمالها قامت 170 منظمة تمثل المجتمع المدنى الفلسطينى بإطلاق هذه الحملة، حتى تستجيب إسرائيل لقواعد القانون الدولى ومبادئ حقوق الإنسان. واتخذت الحملة بعد ذلك أبعادا دولية وازدادت زخما بعد العدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة آخر عام 2008، ثم هجومها المسلح على قافلة الحرية المسالمة فى مايو من العام الحالى. وأصبح يُنظر إلى الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين فى الأرض المحتلة وداخل إسرائيل نفسها على أنها صورة حديثة طبق الأصل لممارسات الحكم العنصرى البائد فى جنوب أفريقيا.
ويكفينى أن أشير إلى ما قررته جامعة هامبشاير بولاية ماساتشوستس الأمريكية منذ عام مضى من سحب الاستثمارات من ست شركات أمريكية تعمل فى مجال الصناعات الحربية وتتربح من استمرار الاحتلال الإسرائيلى للأراضى الفلسطينية. وفى نوفمبر الماضى تم عقد اجتماع بالجامعة نفسها ضم ممثلين عن اتحادات الطلاب فى أربعين جامعة ومعهدا أمريكيا من أجل الدفع قدما بحملة سحب الاستثمارات من الشركات الأمريكية التى تساهم فى الأنشطة الإسرائيلية فى الأراضى المحتلة. وكاد اتحاد الطلبة فى جامعة كاليفورنيا ينجح فى أبريل الماضى فى استصدار قرار بعدم الاستثمار وشراء أى أوراق مالية فى شركتين أمريكيتين للصناعات الحربية تتربحان من وراء استمرار الاحتلال الإسرائيلى. المهم أن الاجتماع الذى دعا إليه اتحاد الطلبة المذكور حضره العديد من الشخصيات العالمية ومنها اليهودية، كان من بين هذه الشخصيات القس ديسموند توتو الذى قضى حياته فى مكافحة ممارسات النظام العنصرى فى جنوب أفريقيا.
أما فى أوروبا، فقد اضطرت شركة Veolia الفرنسية إلى سحب عرض تقدمت به لمد خط ترام كهربائى يربط بين القدس والمستوطنات فى الضفة بعد حملة دولية تعرضت لها الشركة ودفعت بنك SNA الهولندى إلى قطع علاقاته بالشركة المذكورة. وتعرضت شركة Leviev،s Africa-Israel الإسرائيلية لتجارة الماس لحملة مقاطعة بسبب تمويلها للأنشطة الاستيطانية، وقامت الشركة الأمريكية Black Rock بالتخلص من الأوراق المالية التى كانت تملكها فى الشركة الإسرائيلية. أضف إلى ذلك قيام Deutche Bank الألمانى بسحب استثماراته فى الشركة الإسرائيلية Elbit Systems للصناعات الحربية التى قامت بتوريد مكونات تدخل فى إقامة الجدار العازل فى الضفة، كما قامت حكومة النرويج بسحب استثماراتها فى الشركة المذكورة، وأعلنت وزيرة المالية النرويجية «أن بلادها لا تريد أن تستثمر فى شركة تساهم فى انتهاك القانون الدولى». وأجد من الضرورة أيضا أن أشير إلى قرار اتحاد العمال فى بريطانيا Unite وهو أكبر اتحاد للعمال هناك بالحض على سحب الاستثمارات من الشركات الإسرائيلية ومقاطعة البضائع والخدمات الإسرائيلية. أما اتحاد عمال الموانئ فى السويد، فقد قرر عدم تفريغ حمولات أى سفينة قادمة من إسرائيل لمدة تسعة أيام بعد عدوانها على قافلة الحرية.
وصفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية حركة المقاطعة هذه بالحرب الناعمة soft war التى تُشن حاليا على إسرائيل. أما المفكر والناشط السياسى الفلسطينى مصطفى البرغوثى، فقد اعتبر حركة المقاطعة هذه «أفضل طريقة فى مواجهة ميزان القوى المختل، إذ إن اختلال الميزان العسكرى القوى لصالح إسرائيل لا يجعل من خيار استخدام القوة خيارا فاعلا، مضيفا أن إسرائيل ستغير من سياستها فى حالة واحدة فقط وهى حالة إلحاق الضرر بها، وأن حركة المقاطعة لا شك أنها ستكون أمرا موجعا لها تماما».