عقد اجتماعى لا يستثنى أحدًا
بول كروجمان
آخر تحديث:
الأحد 2 أكتوبر 2011 - 9:10 ص
بتوقيت القاهرة
تحدث هذا الأسبوع الرئيس أوباما عما هو واضح وجلى، وهو أن على أثرياء أمريكا، وكثير منهم يدفع ضرائب بسيطة بصورة ملحوظة، أن يتحملوا أعباء خفض عجز الموازنة الطويل المدى. ورد جمهوريون، كالنائب بول رايان، بصيحات «صراع طبقى». إن أوباما يريد من الأغنياء أن يدفعوا الضرائب. والجمهوريون يقولون إنه يثير حربا طبقية. فما دور السياسة الضريبية فى سد فجوة الثروة؟ لم تكن الصورة بالطبع على هذا النحو. فعلى العكس من ذلك، الأشخاص من قبيل السيد رايان، ممن يريدون إعفاء كبار الأغنياء من تحمل أى أعباء لتحقيق استقرار ماليتنا، هم الذين يشنون حربا طبقية.
يساعد هذا كخلفية فى معرفة ما جرى للدخول خلال العقود الثلاثة الماضية. وتظهر التقديرات المفصلة الصادرة عن مكتب الموازنة بالكونجرس التى تقف بياناته عند عام 2005 فقط، وإن كان من المؤكد أن الصورة الأساسية لم تتغير أنه فيما بين عامى 1979 و2005 ارتفع الدخل المعدل وفقا للتضخم للأسر الواقعة فى منتصف سلم التوزيع بنسبة 21%. وهذا نمو، لكنه بطىء، مقارنة بـ100% ارتفاعا فى متوسط الدخل على امتداد أكثر من جيل بعد الحرب العالمية الثانية. بينما ارتفع دخل أكبر الأغنياء، أى الواحد على مائة الأعلى من نسبة الواحد بالمائة من إعادة توزيع الدخل، خلال الفترة نفسها بنسبة 480%. وهذا ليس خطأ مطبعيا. فقد ارتفع معدل الدخل السنوى لهذه المجموعة من 4.2 مليون دولار إلى 24.3 مليون دولار، بأسعار الدولار فى عام 2005.
●●●
فهل يبدو الأغنياء فى نظرك ضحايا لحرب طبقية؟
وللإنصاف، هناك خلاف حول مسئولية سياسة الحكومة عن التفاوت المذهل فى نمو الدخل. لكن ما نعلمه علم اليقين هو أن السياسة تعمل دائما لمصلحة الأغنياء على حساب الطبقة الوسطى.
ومن أبرز جوانب تلك المناظرة الخطابية احتواؤها على أشياء كالهجوم المستمر على العمل المنظم وإلغاء القيود المالية الذى أوجد ثروات ضخمة حتى وهو يمهد الطريق لحدوث الأزمة الاقتصادية. لكننا سنركز اليوم فقط على الضرائب.
تظهر أرقام مكتب الموازنة أن عبء الضرائب الفيدرالية تراجع على دخول كل الطبقات، على عكس ما يدعى الخطاب الذى يتبناه المشككون المعتادون. لكن هذا العبء كان أكثر انخفاضا، باعتباره نسبة من الدخل، بالنسبة للأغنياء. ويعكس هذا، فى جانب منه، خفضا كبيرا فى أعلى معدلات ضريبة الدخل، لكن فيما عدا ذلك، هناك ابتعاد للضرائب كثيرا عن الأغنياء فى اتجاه العمل؛ فقد انخفضت معدلات الضريبة على أرباح الشركات ومكاسب رأس المال وأرباح السهم، بينما زادت على الرواتب تلك الضريبة الأساسية التى يسددها معظم العمال.
وتتمثل إحدى نتائج ابتعاد الضرائب عن الأغنياء فى اتجاه العمل إلى خلق أوضاع ينتهى الحال فيها بأصحاب الملايين الذين يستمدون جانبا كبيرا من هذا الدخل من المكاسب الرأسمالية وغيرها من المصادر التى يسدد عنها ضرائب منخفضة، وقد سددوا معدل ضريبة شاملة أقل مما يدفعه العمال من أبناء الطبقة الوسطى. ونحن لا نتحدث عن حالات استثنائية قليلة.
●●●
طبقا للتقديرات الجديدة لمركز السياسة الضريبية غير الحزبى، فإن ربع من يحصلون على دخل أكبر من مليون دولار سنويا يدفعون 12.6% من دخلهم أو أقل كضريبة رواتب وضريبة شاملة، متحملين بذلك عبئا ضريبيا أقل مما يتحمله كثيرون من أبناء الطبقة الوسطى.
والآن أعرف كيف سيرد اليمين على هذه الحقائق؛ بإحصاءات مضللة ومزاعم أخلاقية مشكوك فيها. فمن ناحية، هناك ادعاء بأن ارتفاع حصة الضرائب التى يدفعها الأغنياء تبين أن عبئهم فى تزايد، وليس فى انخفاض. ولبيان ما هو واضح وجلى، فإن الأغنياء يدفعون المزيد من الضرائب لأنهم أغنى كثيرا من المعتاد. وبينما تنمو دخول الطبقة الوسطى بالكاد بينما ترتفع دخول الأكثر ثراء بهذا القدر الكبير، لماذا لا تزيد حصة الأغنياء من الضرائب، حتى فى ظل انخفاض معدل الضريبة المقررة عليهم؟
من جانب آخر، هناك ادعاء بأن الأغنياء من حقهم الاحتفاظ بأموالهم وهو ما يتجاهل حقيقة أن كلنا نعيش ونكسب لكوننا جزءا من المجتمع الأكبر.
وقد أبدت «اليزابث وارين» المُصلحة الاقتصادية المرشحة حاليا لانتخابات مجلس الشيوخ عن ولاية ماساتشوستس، ملاحظات بليغة مؤخرا عن هذا التأثير تحظى بكثير من الاهتمام. فقد أعلنت أنه «ليس هناك فى هذا البلد من يحقق الثراء بمفرده. لا أحد» مشيرة إلى أن الأغنياء لا يمكنهم تحقيق الثراء إلا بفضل «العقد الاجتماعى» الذى يتيح مجتمعا كريما ناجحا يزدهرون فيه. وهو ما يعيدنا إلى صيحات «الحرب الطبقية».
●●●
يبدى الجمهوريون قلقهم العميق من عجز الموازنة. والحقيقة أن السيد رايان اعتبر العجز «تهديدا وجوديا» لأمريكا. لكنهم يصرون على عدم مطالبة الأغنياء الذين يفترض أن حصتهم فى مستقبل الأمة تتساوى مع حصة غيرهم بأى دور فى درء ذلك التهديد الوجودى. إن هذا يساوى المطالبة بإعفاء عدد محدود من المحظوظين جدا من العقد الاجتماعى الذى يطبَّق على سواهم. وهذا ما تكون عليه الحرب الطبقية الحقيقية، إن كنتم تتساءلون.