كيف يبدو العام الجامعى الجديد فى مصر؟
أحمد عبدربه
آخر تحديث:
الخميس 2 أكتوبر 2014 - 10:25 ص
بتوقيت القاهرة
لا أمتلك إجابة على السؤال الذى اخترته عنوانا لمقالى. إذ لا يعلم أحد على وجه الدقة ما الذى يحدث اليوم فى مصر، فكيف سنعرف إذن ما الذى سيحدث؟!
رغم ذلك، فإننى سأحاول تقديم قراءة متواضعة لمجموعة مؤشرات تؤكد أن العام الجامعى الجديد يبدو غامضا فى أكثر العبارات تفاؤلا، و«على كف عفريت» فى أكثرها تشاؤما!
لا تنحصر المشكلة فقط فى محاولة الإجابة عن السؤال السطحى «كيف نواجه طلاب الإخوان» والذى تعتقد الحكومة المصرية أنه الأهم، لكنها تتطلب الإجابة على سؤال أكثر عمقا وتعقيدا وهو «كيف تتعامل الجامعة مع شباب مقموع ومكبوت وغير مدمج فى العملية السياسية؟».
يصر المسئولون على اختزال المشكلة وتبسيطها بكونها مواجهة تقليدية بين «الإخوان» و«الدولة»، لذلك غرقوا فى اتخاذ مجموعة قرارات اعتقدوا أنها ستقضى على الطلاب الإخوان وتنهى المشكلة. بدأت الحكومة فى بسط نفوذها على العملية التعليمية من خلال إصدار قانون «تعيين القيادات الجامعية» المخالف بشكل صريح للدستور الذى نص على «استقلال الجامعات»، بحيث أصبح تعيين رؤساء الجامعات والعمداء بقرار من رئيس الجمهورية شخصيا، ثم بدأ استهداف الطلاب عشوائيا بحيث تم فصل عشرات الطلاب (منهم ثلاث طالبات فى الكلية التى أدرس بها) فى جامعة القاهرة وحدها من دون إجراء أى تحقيق وهو انتهاك لأبسط قواعد العدالة! ثم كان قرار رفع مصاريف الإقامة فى المدن الجامعية اعتقادا بأن طلاب الإخوان وحدهم ينتمون إلى الطبقات الأقل حظا وبالتالى يمكن استبعادهم من الإقامة فى المدينة الجامعية!
ثم كان قرار تأجيل الفصل الدراسى أكثر من مرة وآخرها قرار تأجيل الدراسة إلى ١١ أكتوبر عوضا عن الأسبوع الثالث من سبتمبر كما جرت العادة. مما يعنى أن مدة الفصل الدراسى الأول ستكون شهرين فقط وأن معايير جودة التعليم تتحول تدريجيا إلى حبر على ورق!
بين هذا وذاك كان الإصرار على لائحة طلابية تم الاعتراض عليها من قبل ١٧ اتحادا جامعيا من أصل عشرين اتحادا عاما للطلاب، وهى لائحة مقيدة بشدة للنشاط الطلابى المستقل ومؤممة تماما لأى مساحة حرية طلابية بعيدا عن توغل الإدارة والأمن.
وهنا يتوجب على التنويه أنه رغم بؤس قانون تعيين القيادات الجامعية الجديدة، فإن رؤساء سبع جامعات لم يتم تعيينهم بعد رغم اقتراب الفصل الدراسى الجديد ومعهم العشرات من عمداء الكليات مما يعكس مزيجا من التخبط والعشوائية والتغول على الحريات والاستقلالية.
•••
بعد كل هذه الإرهاصات، كيف يمكن أن نتوقع العام الجامعى الجديد؟
أولا: الجامعة ليست مجرد فصل دراسى يتم تداول فيه المعلومة بين أستاذ وطالب وبينهما جهاز إدارى. لكنها منظومة متكاملة يتم فيها التفاعل بين أصحاب الدرجات العلمية والخبرات الحياتية المختلفة فى مساحة يفترض أن تكون حرة وآمنة ومستقلة. أما عن كونها حرة فيعنى ذلك أن تخلو من القيود السلطوية التى تقيد حرية الفكر والتعبير وممارسة الأنشطة بكافة تنويعاتها الفنية والأدبية والدينية والسياسية اللهم إلا من ضوابط تحدد العلاقة وتضبطها فى إطار ما هو متعارف عليه دوليا. وآمنة بمعنى ألا يتعرض أحد عناصر هذه المنظومة إلى ضرر نفسى أو مادى أو معنوى من وراء آرائه ومواقفه داخل الحرم الجامعى أو خارجه. أما الاستقلالية فتعنى ألا تصبح الجامعة أداة فى يد السلطة (أى سلطة) للتعبئة العامة والحشد. وهذه المعانى للأسف تتلاشى تدريجيا الآن فى مصر فمساحة الحريات الجامعية تضاءلت ولم يبق منها سوى هامش محدود نتمنى ألا يضيع. أما الحديث عن الأمن فحدث ولا حرج، فقد تحولت الجامعة فى مصر إلى ساحة لتصفية الحسابات السياسية. ورغم أن الاستقلالية محمية بواسطة الدستور بشكل صريح إلا أن الإجراءات التى أوردتها أعلاه توضح حجم الانتهاكات التى طالت الدستور المعتمد شعبيا وسياسيا بأغلبية ساحقة قبل شهور قليلة.
ثانيا: بسبب العقلية الأمنية فى إدارة المشهد السياسى عامة والجامعى تحديدا، أصبح الطلاب سواء من مؤيدى الإخوان أو معارضى السلطة والإخوان ــ وهى فئة مسكوت عنها دوما لحصر المواجهة بين طلاب الإخوان والدولة ــ سريعى الاستفزاز خاصة مع الإشارات القوية لتقييد أنشطتهم المختلفة من قبل سلطة لا تناقشهم بل تقمعهم وتقيدهم. إذن، نحن أمام احتقان غير عادى قد ينفجر فى أعمال عنف جديدة أو يتمثل فى انسحاب متزايد من البيئة الجامعية والعمل العام بأكمله.
ثالثا: لا يتمتع الأساتذة بحال أفضل. فمع أعبائهم المادية والاجتماعية، مازال بعضهم يدفع أثمان مواقفه السياسية، والبعض الآخر لم يطله أذى بعد لكنه يعلم أنه قد يطوله آجلا أو عاجلا. إضافة إلى حالات الاستقطاب المجتمعى والسياسى خواء البيئة التعليمية علميا وأدبيا وماديا (أبنية ووسائل تعليمية).
رابعا: إذا كانت بعض التصرفات الصادرة عن طلاب الإخوان مرفوضة، فإن رفضها وشجبها لا يجب أن تستغل لتأجيج العنف. إن استهداف الطالب لمجرد كونه إخوانيا مرفوض، وحل الأزمة لا يكون إلا بالنقاش والاحتواء واحترام حرية التعبير.
خامسا: أرفض بشدة تسييس الجامعة أو تحزيبها ولكن هل يعنى ذلك أن نمنع الأنشطة السياسية؟ هل يعنى ذلك تكرار كلام نظام مبارك الفاشل من أن السياسة للعلم فقط وليست للممارسة؟ وما هو تعريف الأنشطة السياسية إذن؟ وبعد الثورات والانتفاضات الشعبية لا يمكن أبدا منع السياسة داخل الجامعات المصرية.
•••
إذن ما الحل؟
على الرغم من أن إيجاد الحلول من مسئولية السلطة، خاصة إذا كانت هى المتسببة فى المشكلة أو بمعنى أدق فى تراكم المشاكل، فإن الحل يتمثل فى إعادة احترام الدستور وإعادة النظر فى قانون تعيين القيادات الجامعية وفقا للمعايير الدولية التى يتم التغنى بها ولا يتم تطبيقها. كما يتوجب ميثاق شرف جامعى من قبل لجنة تضم عددا من الأساتذة المهمومين بالشأن الجامعى مع عدد من القيادات الجامعية الحالية وممثلين عن المجلس الأعلى للجامعات والطلاب لإعادة وضع الضوابط الخاصة بالأنشطة الجامعية بالتوازى مع قرارات سياسية للإفراج عن الطلاب المحبوسين احتياطيا والذين لم تثبت عليهم تهم التورط فى العنف. إضافة إلى إجراء تحقيقات جادة ومحايدة فى حوادث مقتل الطلاب داخل الحرم الجامعى.
بالطبع يتطلب ذلك تحقيق العدالة الانتقالية فى البلاد وحلحلة الأزمات السياسية والأمنية تباعا واعتماد النقاش والتفاوض كمبادئ للتعاطى مع المختلفين. فى الواقع، الحلول كثيرة لكنها تتطلب إرادة سياسية فهل تتوفر؟ هذا هو السؤال الذى لا يجب أن يضيع فى زحمة التفاصيل!
ينشر بالاتفاق مع موقع «الفنار للإعلام»
اقرأ المقال الأصلي من هنا: كيف يبدو العام الجامعي الجديد فى مصر؟