جرائم الحرب.. والمعايير المزدوجة

محمد عبدالمنعم الشاذلي
محمد عبدالمنعم الشاذلي

آخر تحديث: الأربعاء 2 أكتوبر 2024 - 8:00 م بتوقيت القاهرة

فى اليوم الأول من شهر أكتوبر عام 1946، أصدرت محكمة نورمبرج ــ التى أقامها الحلفاء المنتصرون فى الحرب العالمية الثانية ــ أحكامها على أقطاب النظام النازى الذى خاضت ألمانيا الحرب تحت قيادته. قضت المحكمة بإعدام اثنى عشر متهما وبالسجن مدى الحياة على ثلاثة والسجن لمدة تتراوح بين عشر وعشرين سنة على أربعة.
ضمت قاعة المحاكمة هرمان جورج، مؤسس السلاح الجوى ورئيس الجستابو وأقوى رجل فى ألمانيا بعد هتلر، وأمين فون روبنتروب وزير الخارجية، وجوستاف كروب رئيس شركة الصلب الشهيرة التى أمدت النظام بالسلاح. ومن ضمن الذين وقفوا أمام المحكمة عدد من كبار العسكريين أبرزهم المارشال ويلهلم كيتل، والمارشال ألفرد جودل، والأميرال كارل دونتيز. ورفضت المحكمة تماما الاستماع إلى دفوعهم بأنهم عسكريون يتلقون الأوامر لتنفيذها لا لمناقشتها. (عدالة المنتصر التى تسعى إلى التنكيل بالمهزوم طبقا للقول الرومانى الشهير vai victis ويل للمهزوم).
مثلما حُكم على العسكريين الألمان، فهل خضع الكولونيل بول تيبيتز الذى ألقى القنبلة الذرية على هيروشيما التى قتلت عشرات الآلاف من المدنيين والمدنيات للمحاكمة؟ أو نظيره الكولونيل تشارلز سوينى الذى ألقى القنبلة الأخرى على نجازاكى. لقد أمد الله فى عمر تيبيتز حتى جاوز التسعين من عمره ولم يبدِ ندما على إلقائه القنبلة التى أحرقت الآلاف، حتى إنه عبر عن فخره فى حديث تليفزيونى بعد أن جاوز الثمانين. نفس التبلد الحسى لبلاده التى أصدرت فى عام 1995 طابع بريد تذكاريا بمناسبة إلقاء القنبلة التى صنعت السلام كما كتب على الطابع الذى اضطرت إلى إلغائه بعد احتجاج شديد من اليابان.
استمرت جرائم الحرب الأمريكية فى فيتنام التى تعرضت للقصف المكثف للقنابل التى قتلت الآلاف من المدنيين العزل والنساء والأطفال ولم يتعرض مسئول أمريكى واحد سياسى أو عسكرى للمساءلة حتى بعد أن أقر روبرت ماكنمارا، وزير الدفاع الأمريكى أثناء حرب فيتنام، بأن بلاده كانت على خطأ وذلك فى عام 1995 أى بعد عشرين سنة من نهاية الحرب وعشرات الآلاف من الضحايا.
نضيف إلى ذلك ضحايا القصف المكثف للعراق وتقويض أجهزة الدولة مما ألقى الدولة فى دوامة عنيفة من الاضطراب الدموى والعنف. ولازالت صور المجندة الأمريكية وهى تطلق الكلاب المتوحشة على الأسرى العراة ــ بلا حول ولا قوة ــ ماثلة فى أذهاننا، فضلا عن الفظائع التى تحدث عنها العالم فى معتقل جونتانامو الشهير.
علينا أن نتذكر هذه الحقائق اليوم وقد بعث هتلر حيا فى ثوب نتنياهو، وكما سولت لهتلر أحلامه السيطرة على أوروبا فراح يغزو تشيكوسلوفاكيا ويضم النمسا ويحتل بولندا ثم فرنسا ثم يتجه شرقا إلى روسيا، ها قد ظهر بيننا شيطان رجيم دمر غزة ثم يمن صوب الضفة ثم تقدم لغزو لبنان وقصف سوريا واليمن ويهدد بأن يده الطويلة قادرة للوصول إلى أى مكان فى الشرق الأوسط، ويهدد بتركيع أمة بالضغط على زر قتل عشرات الآلاف من المدنيين العزل بينهم النساء والأطفال وأصاب أكثر من مائة ألف، ودمر الديار، وأرعب النفوس.
إن الحديث عن هدنة ووقف إطلاق النار وإن كان أمرا هاما لوقف النزيف ومرور قوافل الإغاثة والطعام والدواء، إلا أنه لابد من إخضاع المسئولين عن هذه الجرائم للمحاكمة والقصاص ممن ارتكب جرائم الحرب والتأكيد على أن القانون الدولى يطال كل من انتهكه، ولو كان يزدرى هذا القانون ويقوم ممثله الآثم الذى انتهكه بتمزيق متونه أمام ممثلى العالم المتحضر فى الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إذا سقطت العصابة التى تغطى عيون العدالة وسمح لها أن تنظر نظرة رضا إلى كفة الميزان، ونظرة غضب إلى الكفة الثانية، ضاع الحق، وثملت العدالة، وطاحت بسيفها فى رقاب الضعفاء.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved