الانتخابات الرئاسية الأمريكية والشرق الأوسط
ناصيف حتى
آخر تحديث:
الإثنين 2 نوفمبر 2020 - 9:35 م
بتوقيت القاهرة
تتجه أنظار العالم، والشرق الأوسط بشكل خاص، نظرا للتأثيرات الكبيرة والتوقعات والتمنيات المختلفة والمتناقضة لأهل الإقليم للسياسة الأمريكية فى المنطقة سواء كانت ناشطة أو متراجعة، نحو نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية. يحصل ذلك رغم أن القضايا الخارجية بشكل عام لا تتصدر الأولويات فى الحملات الانتخابية ولا فى الحوار بين المرشحين ولا فى اهتمامات الناخب. وقد رأينا كيف أن الشرق الأوسط، كما تمنى أو توقع العديد من أهله وكذلك أقاليم أخرى وقضايا دولية عديدة وضاغطة كانت غائبة عن الحوارات أو حلبة الملاكمة بين المرشحين باستثناء مواضيع الصين الشعبية وروسيا الاتحادية وكوريا الشمالية دون إيلائها الأهمية التى تحتلها الصين وروسيا عالميا. الولايات المتحدة تعيش أزمة فى الداخل زاد من حدتها دون شك الكوفيدــ19 بتداعياته الاقتصادية. أزمة تعكس وجود انقسامات حادة فى القضايا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ساهم فى الكشف عنها وفى تعزيزها خطاب الرئيس ترامب فى سنوات حكمه، الأمر الذى يعرض المجتمع الأمريكى لمزيد من الخضات والتوترات بأبعادها وتداعياتها المختلفة. «الترامبية» لن تنتهى فيما لو خسر الرئيس ترامب الانتخابات، بل هى عبرت أيضا عن مجموعة قيم ومخاوف وتمنيات سياسية اجتماعية اقتصادية هوياتية فى المجتمع الأمريكى. وستبقى هذه بمثابة تحد أساسى أيا كان الفائز فى الانتخابات الرئاسية. ويتكرّر الحديث عن أن من أولويات المرشّح جو بايدن فيما لو فاز العمل على بلورة نموذج اقتصاد السوق الاجتماعى وهو أمر ليس بالسهل ولكنه ليس بالمستحيل.
متغيّر آخر ستكون له انعكاسات هامة على الإدارة الجديدة فيما يتعلّق بسياساتها وتوظيف الإمكانات والقدرات خدمة لتلك السياسات، يكمن فى تركيبة الكونجرس الأمريكى الجديد لمجلسى الشيوخ والنواب: فهل سيبقى الحزب الجمهورى مسيطرا على مجلس الشيوخ والحزب الديمقراطى على مجلس النواب أم سيسيطر الأخير على المجلسين. كل من الحالتين لها انعكاسات أساسية على الرئيس الجديد سواء كان ترامب أم بايدن.
إذا عاد ترامب فستستمرّ سياسة الأحادية الحادة على الصعيد الدولى والتى تقوم على مناهضة التعاون المتعدد الأطراف سواء كان فى «البيت الغربى» مثل منظمة حلف شمال الأطلسى حيث سيستمر ترامب فى الضغط على الحلفاء الاستراتيجيين لتحمل نصيب أكبر من التكاليف أو فى العلاقات مع الاتحاد الأوروبى الذى يفضّل التعاون الثنائى مع دوله وليس الجماعى مع الاتحاد الأوروبى. وسيبقى بالطبع ترامب مقاوما شرسا لكل أنواع التعاون المتعدد الأطراف الذى صار أكثر حاجة وضرورة على الصعيد الدولى وفى إطار الأمم المتحدة لمواجهة تحديات عالم ما بعد الكوفيدــ19 ضمن تحديات أخرى.
إذا فاز بايدن فمن المنتظر العودة إلى تعزيز العلاقات فى إطار البيت الأطلسى وكذلك مع الاتحاد الأوروبى دون أن يعنى ذلك عدم وجود شروط ومطالب أمريكية لبناء شراكة متجددة فى هذه الأطر الإقليمية والدولية. بايدن سيعيد الولايات المتحدة إلى اتفاقية باريس للمناخ وإلى منظمة الصحة العالمية وتلك مؤشرات للعودة ولو بشروط أيضا للانخراط الناشط فى الدبلوماسية الأممية المتعددة الأطراف. فرق أساسى بين المرشحين فى العلاقات مع الصين الشعبية وروسيا الاتحادية يكمن فى الخطاب الحاد وذات الطابع «الأيديولوجى» لترامب مقابل الخطاب البراجماتيكى لبايدن لإدارة علاقات التعاون والتنافس والخلاف مع هاتين القوتين الكبرتين.
***
فيما يتعلق فى الشرق الأوسط هناك أحاديث عن سيناريوهات ثلاث محتملة:
أولا: مجىء بايدن إلى السلطة سيخفف من مستوى التوتر مع إيران دون أن يعنى حل الخلافات معها؛ العودة إلى إتفاق خمسة زائد واحد (الاتفاق النووى) مع التشدّد لعدم تحوّل إيران إلى امتلاك قدرة نووية عسكرية. لكن يبقى الخلاف قائما وقد يعالج بمزيد من الدبلوماسية على حساب خطاب المواجهة الذى اتسمت به إدارة ترامب دون أن يعنى ذلك تخلّى واشنطن عن أهدافها بغية احتواء ما تعتبره الولايات المتحدة تمدّدا إيرانيا واسع فى الشرق الأوسط وبالأخص فى المشرق العربى والعمل على احتواء ومحاولة إضعاف النفوذ الإيرانى الإقليمى بالوسائل المختلفة أو اللجوء إلى سياسة الانخراط الفاعل التى تقوم على ثنائية العصا والجزرة. ملف آخر سيكون فيه التغيير هام على مستوى الخطاب على الأقل يتعلّق بالقضية الفلسطينية وتمسّك إدارة بايدن بعناوين تسوية الدولتين والحل التفاوضى دون أن يعنى ذلك الصدام مع إسرائيل بل العودة للاندراج فى السياسات الأمريكية السابقة لتسوية الصراع ودون محاولات فرض مرجعيات أحادية مثل صفقة القرن ومع عدم إعطاء هذه القضية الأولوية التى تستحقها بسبب تراجع موقعها على لائحة الأولويات الساخنة والضاغطة فى المنطقة. يستدعى ذلك كله الدفع باتجاه بلورة نظام إقليمى دولتى يقوم على عدم التدخّل المباشر بشئون الآخر وبلورة الأطر والأولويات لاحتواء الخلافات وحلّها.
ثانيا: عودة الرئيس ترامب والاستمرار فى سياساته التى تعنى مزيدا من التصعيد والتوترات فى المنطقة والصدامات المتفرقة وغياب الحلول السياسية والسلمية والنزاعات والخلافات القائمة مع ما يحمله ذلك من مخاطر على الجميع ولو بدرجات وأوقات مختلفة.
ثالثا: عودة ترامب مع تغيّر تدريجى فى مقاربته لبعض القضايا وبشكل خاص العلاقات مع إيران دون أن يعنى ذلك كما يصوّر البعض أو يتمنّاه البعض الآخر صفقة أمريكية إيرانية على حساب الدول العربية: يقوم بذلك على التفاوض بالواسطة ثم بشكل مباشر وهذا ليس بجديد فى العلاقات بين الطرفين. يفترض أن يقود هذا التوجه نحو بلورة تفاهمات تساهم فى الاستقرار فى المنطقة وتحدّ من التمدّد الإيرانى باعتبار أن كلفة الصدام المستمر بين إيران من جهة وخصومها من جهة أخرى مكلف أيضا لإيران ولا تملك القدرة والإمكانات على الاستمرار به. تعزيز هذا التوجه يفترض بلورة حوار شامل تشارك فيه لاحقا الأطراف المعنية فى المنطقة لبلورة قواعد للعلاقات تقوم فى أساسها على عدم التدخل فى شئون الآخر.
***
الشرق الأوسط بنقاطه العديدة المشتعلة والمترابطة بشكل مباشر أو غير مباشر يعيش على صفيح ساخن ومن مصلحة الجميع، أيا كانت سياسات الرئيس الأمريكى، الانخراط فى دبلوماسية حوار شامل تقوم على احترام الآخر وعدم التدخل فى شئونه تحت أى مسميات واحترام التفاهمات التى يتم التوصل إليها والبناء عليها.