الحياة الزوجية بعد الأربعين


رضوى أسامة

آخر تحديث: الأربعاء 2 ديسمبر 2009 - 9:50 ص بتوقيت القاهرة

 أخبرتنى صديقة ذات مرة بأن الحياة الزوجية إذا استمرت حتى وصولنا لسن الأربعين فهذا يعنى نجاح العلاقة وأن السنوات الأصعب هى سنوات البدء، عذرا صديقتى لقد اكتشفت عدم صدق هذا الكلام، هناك مراحل بعينها هى الأصعب وإذا تجاوزناها بنجاح، نجحت علاقتنا.

سبق وتحدثت عن السنوات الأولى من الزواج وأهمية تأسيس حياة زوجية قائمة على القبول غير المشروط، لكننا ومع مرور الوقت ودخولنا فى مراحل عمرية أكبر سنقف أمام تغيرات بيولوجية ونفسية تمثل تحديات جديدة أمامنا ويصبح علينا مواجهتها، من هذه المراحل سنوات ما بعد الأربعين والتى تختلف فيها احتياجاتنا النفسية عن ذى قبل، وكذلك تختلف احتياجات شريك الحياة.

وجدت وأنا أبحث عن هذا الموضوع فى الدراسات والبحوث السابقة أن معظمها اهتم بالجانب الجنسى وكيفية إدارة حياة جنسية مشبعة فى مثل هذه السن التى تقل فيها الاحتياجات الجنسية. والقليل بل والنادر الذى تحدث عن كيفية إدارة خلافاتنا فى هذه السن وكيفية التعامل مع الاحتياجات النفسية الجديدة التى طرأت علينا فى هذه السن.

من واقع النتائج والمشاهدات اليومية تزداد الخلافات بشدة بين الزوجين كلما ازداد العمر تقدما بنا، كما تزداد نسب الطلاق أيضا بعد سن الأربعين. سأفترض، كما هو شائع، أن فى سن الخمسة والأربعين سيكون عمر الزواج تجاوز الخمسة عشر عاما وأصبح هناك أطفال فى سن المراهقة، وأصبح كل من الزوجين على قدر من الثقة بأن الطرف الآخر قد استقر فى العلاقة مما يدفعه إلى الكف عن بناء العلاقة نحو مزيد من الترابط. تلك هى المشكلة، يبدو أن الزواج فعلا يحتاج إلى العمل على بناء العلاقة باستمرار، وليست فى الفترة الأولى فقط، أشبهها بحبل يمسكه طرفان بإحكام لأن هناك شخصا ثالثا يلعب على الحبل من فوقه، فإذا تراخى أى منهم سيقع الشخص الثالث والذى أمثله هنا بالاستقرار فى العلاقة.

كيف يمكننا أن نستكمل ما بدأناه وندير حياتنا فى هذه المرحلة، لا يمكننا النظر إلى هذه المرحلة كحدث منفصل فى حياة الشخص، بل هى استمرار للحياة التى بدأناها وأسسناها منذ البدء، فكلما كانت حياتنا صحية، سهل ذلك من تجاوزنا لهذه المرحلة.

منذ قليل كنت أتجول فى المنتديات النسائية على الإنترنت والتى تتحدث عن التغيرات التى تحدث للرجل بعد سن الأربعين، معظمها إن لم يكن كلها كان يتحدث عن كيف تحمى رجلك من المراهقة المتأخرة التى تحدث له، وكيف تتزينين له وتغريه من جديد، وكيف تهتمى به، بالطبع لست ضد أن تتزين الزوجه لزوجها، هذا لطيف لكن ليس هذا ما يحتاجه الرجل فى هذه المرحلة، وفى نفس الوقت هذا ضغط شديد على المرأة التى تشعر بأنها طوال حياتها يجب أن تلعب ألعابا مختلفة ليظل رجلها معجبا بها وهذا ما ألاحظه دوما فى هذه المنتديات.

الرجل والمرأة كل منهما فى هذه المرحلة يحتاج إلى آخر يفهم ما يمر به، يحتاج إلى شريك يقدر احتياجاته ويسمعه، لا إلى شخص يعيد إغواءه، يحتاج لأن يشعر بالتقدير من الطرف الآخر.

أتذكر زوجين كنت أجلس معهما فى مشورة زواجية، وكانا فى منتصف الأربعينيات، وكانت المرأة تشعر بالإحباط الشديد من زوجها الذى فقد اهتمامه بها وبدأ ينسحب تدريجيا إلى الانترنت ويقضى أمامه وقتا طويلا جدا، بمجرد مجيئه من العمل حتى نومه فى المساء. وهو كان يشكو أيضا من عدم اهتمامها به وعدم تقديره وتركيزها فى عملها وقضائها معظم الوقت فى السفر وتركه بمفرده، لم يتحدث أى منهما من قبل مع الآخر ولم يصارحا بعضهما بحقيقة مشاعرهما، حاول كل منهما الهروب من المشكلة بخلق واقع آخر، سواء الهروب إلى عالم افتراضى على الانترنت أو الهروب إلى إدمان العمل.. بداخل كل منهما شخص يصرخ، ويقول: «أحتاج إلى أن تقدرنى وتسمعنى بحب»، كان الاحتياج واحدا لدى الاثنين.

المشكلة أننى أسمع من الكثيرين عبارة «وما جدوى النقاش؟.. لن يحدث شىء جديد»، وما يمارساه مع بعضهما البعض للأسف ليس نقاشا بل شجارا، والفارق بينهما كبير، ففى الشجار لا أستمع للآخر بل أهتم بما أقوله فقط وأحاول أن أدحض كل ما يقوله الآخر، فى النقاش الفعال أستمع إلى الآخر بشكل أكبر وأهتم بما يقوله وأمنحه فرصة لكى يستطرد فى فكرته، أحيانا ما نفعل ذلك فى العيادة نقضى وقتا فى البدء لتعليم كلا الطرفين مهارات الاستماع الفعال.

ليس مستحيلا أن نغير من أنفسنا وفقا للاحتياجات التى تطرأ على كل منا، وأن نعيد ترتيب حياتنا ونغيرها، ونتناقش حول ضعفاتنا التى استجدت علينا وقبولها.. هذا أفضل كثيرا من تجاهلها وإنكارها.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved