الحكم على مبارك أم على ثورة يناير ؟
زياد بهاء الدين
آخر تحديث:
الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 - 8:55 ص
بتوقيت القاهرة
برغم التمهيد الإعلامى الذى سبق الحكم ببراءة الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وبرغم الاقتناع الذى ساد الرأى العام فى الأسابيع الأخيرة بأن الأمر لن يتجاوز حكما مخففا وربما مع وقف التنفيذ، وبرغم ما أشار إليه بعض المتابعين منذ البداية بأن الأدلة والتحقيقات المقدمة للمحكمة ليست كافية (وهو ما تأكد بأن الحكم قد استند إلى أن النيابة قد تنازلت عن الدعوى الأساسية ضمنيا منذ البداية)، مع ذلك فقد كان للحكم ــ عند النطق به ــ وقع مفاجئ وسلبى على قطاع واسع من الشعب المصرى وبالذات من الشباب. وتقديرى أن هناك ثلاثة أسباب لذلك، على الدولة أن تعيها جيدا وأن تتعامل معها بجدية وإلا كانت مصرة على صدام مع الشباب الذى ظل حتى الآن ملتزما بالقانون وحريصا على ألا يصب احتجاجه فى مصلحة التيار الإخوانى.
السبب الأول أن الحالة العدائية الصارخة والمتصاعدة فى الآونة الأخيرة ضد ثورة يناير ومن قاموا بها أو اشتركوا فيها أو حتى انحازوا لها جعلت الحكم الأخير، برغم تعلقه بشخص الرئيس الأسبق ووزير داخليته وعدد من مساعديه، يبدو كما لو كان حكما على الثورة وعلى الثوار، وعلامة جديدة على أن مصر فى طريقها للعودة إلى الأوضاع التى كانت سائدة قبل يناير ٢٠١١. يضاف إلى ذلك أن هذا التصعيد الإعلامى المحموم قد اقترن بصدور قوانين مقيدة للحريات، وإصرار على عقد انتخابات برلمانية مصممة لكى يفوز بها أصحاب المال والنفوذ، واعتماد متزايد على سياسات وأشخاص يمثلون العودة لنظام مبارك. ولذلك فإن حالة الغضب التى اجتاحت الأوساط الشبابية لم تكن بمناسبة الحكم فقط، بل جاءت تعبيرا عن الغضب المتراكم على مدى الأشهر الماضية من الاستهزاء بالثورة والتنكيل بالمشاركين فيها والنكوص عن مكتسباتها.
أما السبب الثانى فهو أن مجموعة القوانين والقرارات الصادرة مؤخرا بشأن تقييد حق التظاهر السلمى، وتجريم تلقى الدعم من أية جهة ولو كانت مصرية، وملاحقة المنظمات الأهلية، وتوسيع اختصاص المحاكم العسكرية، والفشل فى تهدئة الجامعات، وغياب أية خطة للتعامل مع الانقسام والاضطراب فى المجتمع إلا بالوسائل الأمنية، كل هذا أدى إلى انسداد جميع الوسائل والقنوات المشروعة التى يمكن للشباب من خلالها أن يمارس حقه فى التعبير عن رأيه وفى الاحتجاج السلمى وفى المشاركة فى تقرير مصير البلد. وقد حذرنا كثيرا من ضيق الأفق وقصر النظر عند من ينصحون القيادة السياسية بغلق المجال السياسى على النحو الراهن وتقييد حق وسائل الاحتجاج السلمى لأنهم بذلك يدفعون الشباب إلى البحث عن سبل أخرى للتعبير عن غضبهم، ولكن لم يجد أى من هذا النصح آذانا صاغية.
وأخيرا فإن السبب الثالث لغضب الشباب هو أن الحكم الأخير والأحكام السابقة عليه والتى برأت كل المتهمين من تهم قتل الثوار والمتظاهرين، لم تقدم أية إجابة عن السؤال البديهى عمن ارتكب هذه الجرائم ومن المسئول عن القتلى والجرحى. لا يمكن أن تنتهى كل تحقيقات ومحاكمات السنوات السابقة دون التوصل إلى إجابة واحدة تشفى غليل أهالى الشهداء وأصدقائهم وزملائهم، ولا يمكن أن يكون الغموض وحفظ القضايا هو المحصلة الوحيدة لكل هذه المحاكمات. الحقيقة أهم من القصاص، ومعرفة ما جرى هو جوهر العدالة الانتقالية التى طالب بها الكثيرون وتم تجاهلهم بالكامل.
نحن نقترب من قطيعة جديدة بين النظام وبين الشباب على نحو أدى إلى سقوط نظامين من قبل. وحتى لو لم تكن العاقبة هذه المرة هى إسقاط النظام، فإن هذه القطيعة ستكون لها عواقب أخرى لا تقل خطورة وأهمية، على رأسها استمرار التوتر فى الجامعة والشارع، وتراجع المساندة الشعبية للدولة فى معركتها ضد الإرهاب، وعرقلة فرصة تحقيق الاستقرار والتنمية الاقتصادية، واستمرار حالة الانقسام فى المجتمع المصرى. على النظام الحاكم أن يراجع موقفه وبسرعة من ثورة يناير التى يستمد منها شرعيته والتى يستند إليها الدستور الذى مهد لانتخاب رئيس الجمهورية. عليه أن يقرر إن كان يعترف بثورة يناير ويقبل أنها كانت ثورة بالفعل قامت بها الجماهير الراغبة فى التغيير، أما أنها كانت مؤامرة أجنبية أو نكسة عابرة والمطلوب هو الرجوع لكل ما كان قائما قبلها. وعلى النظام أن يعمل على فتح المجال السياسى والعودة للمسار الديمقراطى بأسرع ما يمكن حتى يتاح للشباب حرية التعبير والاحتجاج السلمى فى إطار القانون وتعود إليه الثقة فى العمل السياسى والحزبى. وعلى النظام قبول أن العدالة الانتقالية هى الأسلوب الوحيد لكى تخرج الحقيقة إلى النور بشأن كل الجرائم التى ارتكبت قبل وبعد ثورتى يناير ويونيو ولكى يمكن للمجتمع التعامل مع صفحات الماضى الأليمة.
بغير هذه الخطوات الثلاث فإن الدولة قد تنجح فى تجاوز أزمة الحكم الأخير، وقد تنجح فى إقامة انتخابات برلمانية، وقد تنجح فى عقد مؤتمر اقتصادى، ولكنها ستكون قد خسرت الشباب ودفعته إما للعزوف عن الشأن العام بالكامل أو البحث عن وسائل وقنوات أخرى للتعبير عن رأيه ولإسماع صوته لمن أصابهم الصمم.