مصطفى عزت.. شهيد مستشفى الباطنة ــ القصر العينى
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 2 ديسمبر 2016 - 10:00 م
بتوقيت القاهرة
قد يكون ما دفعنى للكتابة اليوم أمرا شخصيا لكن الواقع أن وراء الحدث الجلل الذى هزنى على المستوى الشخصى أمر عام يلقى ظلا قاتما على واقعنا جميعا. الأزمة الاقتصادية التى داهمت الوطن طالت فى بدء ما طالت صحة المواطن، خاطبتنى صديقة عزيزة بشأن ابن أحد زملائنا فى جريدة «الشروق». شاب فى مقتبل العمر لم يتجاوز الثامنة عشرة هاجمته آلام قاسية وأعراض فشل كلوى حاد نقل على أثره إلى مستشفى الباطنة التابعة لمستشفى قصر العينى. كنت على سفر فأرسلت أحد زملائى من الأطباء الشباب بمعهد القلب القومى للاطمئنان عليه وكنت على ثقة منذ أن قد استقر فى أفضل مكان متاح للبسطاء من المصريين. عدت لأفاجأ بخبر وفاته وهذا قدر لا اعتراض عليه فهو أمر الله سبحانه لكن ما سمعت عن ملابسات وفاته وما تعرض له والداه من ألوان العذاب والضغط النفسى والمشقة كان فى الواقع أكثر بكثير مما تحتمل نفسى أنا الطبيبة التى قضت سنوات عمرها بين المرض والمرضى، إذا قبلنا أن يشترى الأهل الدواء والمستلزمات الطبية المختلفة وأن نتعامى تماما عن حق الإنسان المصرى فى علاج على نفقة الدولة فتنتهى تماما أسطورة العلاج المجانى فكيف يمكننا أن نتصور أن على الأب أن يحمل ابنه يتلوى من الألم على كتفه لينتقل به من مستشفى الباطنة إلى مركز الملك فهد أملا فى جلسة للغسيل الكلوى فتطرده الممرضة الآمرة الناهية لأن ليس له مكان اليوم لأن كل ماكينات الغسيل مشغولة فالمكان يستقبل كل مرضى الفشل الكلوى ليس من مستشفيات القصر العينى فقط بل هو مكان مفتوح لأى مريض فشل كلوى حاد يتصور واهما أن له مكانا فيه؟
كيف يتسنى لنا أن نتصور أنه بعد انتقال عسير للمعمل تضيع العينة ونجدها بعد أربعة أيام فيتأخر التشخيص بينما الألم يغتال الشاب البائس حتى يودى بحياته دون معرفة سبب مرضه المفاجئ؟
كيف يمكن أن يظل بلا عقاب طبيب يقضى النوبتجية فى حل ألغاز ألعاب الكمبيوتر وابن الثامنة عشرة يتلوى من ألم حقيقى مجهول السبب إلى جانب أب يتمزق لوعة لا يدرك سر تلك الكارثة التى حاقت بابنه ولا يعرف شيئا عن مرضه بينما الرد جاهز دائما: لما تطلع التحاليل نعرف أو ابنك بيتدلع! يا الله!!!
قدر ما هزتنى الفاجعة وسيطر الغضب على تفكيرى تماسكت وكان علىَّ أن أتحرى الأمر بنفسى فهالنى ما سمعت، مستشفى الباطنة تضم كل أقسام الباطنة العامة والخاصة فى القصر العينى ومنها قسم الكلى. قسم الكلى تخضع ميزانيته وإدارته لرئيس أقسام الباطنة، فبالتالى هو قسم تابع مريضه موزع بين أماكن متفرقة مختلفة، عليه أن يتولى تدبير أمره وفقا لتشخيصه للانتقال بين مركز الملك فهد ــ يعمل حاليا بنصف كفاءته لأنه تحت الإصلاح ــ ووحدة الكلى والدبلرة «الغسيل الكلوى» والقسم الداخلى المحجوز فيه والمعمل المعرض للإغلاق. قسم الكلى لا يمتلك إلا ثمانية أسرة فقط لجميع أنواع المرضى ومنهم مرضى زراعة الكلى.
قسم الكلى وأقسام الأمراض الباطنة يعانى من نقص حاد فى التمريض ولا يملك ميزانية لرفع مرتباتهم ولا يقبل تعيين جدد حتى على سبيل التبرع!
أكتب بعد أن تعمدت تخفيف حدة الألم الذى لا يمكن تجاهله. اكتب بصدق دون مبالغة واتحمل مسئولية ما ذكرت.. واحتسب عند الله الشاب مصطفى شهيدا.. وأقبِّل رأس عم عزت أعزيه وأعتذر عما بدر منا جميعا؛ فكل شاهد منا لمثل تلك الوقائع ولا يحرك ساكنا إنما هو شريك. حسبى الله ونعم الوكيل.