النفوط غير التقليدية: دورها فى الصناعة البترولية المستقبلية
وليد خدوري
آخر تحديث:
الإثنين 2 ديسمبر 2019 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
أدى الاكتشاف والإنتاج البترولى (النفط والغاز) الصخرى الأمريكى إلى تغييرات مهمة فى صناعة البترول العالمية خلال هذا العقد. فمن ناحية، انتهى الكلام الذى كان شائعا فى عقد التسعينيات للقرن الماضى حول «ذروة النفط» بمعنى أن الاحتياطات النفطية العالمية المؤكدة لا تَفِى بالطلب العالمى المستقبلى المتزايد على النفط. وكان الكلام موجها بالذات على احتمال محدودية احتياطات نفوط الخليج العربى. فى الفترة نفسها، ارتفعت أسعار النفط الخام إلى نحو 100 دولار للبرميل فى بداية الألفية. والسبب الرئيسى لهذه الأسعار العالية هو التحول الاقتصادى الضخم فى الصين منذ عقد التسعينيات، حيث ارتفع النمو الاقتصادى نحو 8 بالمائة سنويا وكذلك معه اقتصاديات الدول الصناعية النامية فى العالم الثالث، كما ازداد الاستهلاك النفطى الصينى السنوى 8 بالمائة أيضا ومعه زيادة الطلب على النفط فى الدول الصناعية النامية، مقارنة بزيادات سنوية للاقتصاد واستهلاك النفط فى الدول الصناعية الغربية بنحو 2 ــ 3 بالمائة فقط. وقد تركت ــ ولا تزال ــ الاكتشافات والإنتاج العالى والسريع للنفط الصخرى الأمريكى بصماتها على ساحة النفط الدولية. وازداد الكلام عن إمكانية النفوط غير التقليدية (النفط الصخرى، والرمل القيرى والنفط الثقيل جدا وغيرها) فى منافسة النفط التقليدى الذى تتصدر إنتاجه أقطار منظمة الأوبك.
***
لكن تطرح النفوط غير التقليدية أسئلة عدة، منها:
أولا: ما هى المعلومات الدقيقة المتوافرة عن النفوط غير التقليدية؟ وهل يمكن الاعتماد عما هو متوافر من معلومات شحيحة ومتناقضة فى بعض الأحيان فى التخطيط المستقبلى للتطوير والاستثمار فى الصناعة النفطية؟ إن اختلاف المعلومات الدقيقة وتضارب التوقعات المستقبلية يجعل من الصعب الوصول إلى استنتاج واضح. لكن هذا لا يمنع طبعا الولوج فى هذا الموضوع ومحاولة تفهم البدائل المتوافرة.
ثانيا: ما هى إمكانيات زيادة الإنتاج النفطى الصخرى الأمريكى الذى يعد أهم وأضخم نفط غير تقليدى؟ وما هو أفق هذه الزيادة؟ من المعروف أن الصعود المفاجئ للنفط الصخرى الأمريكى فى عام 2014 أدى فى حينه إلى تدهور أسعار النفط خلال العامين 2014 ــ 2016. فقد انخفض سعر النفط عندئذ وفى خلال أسابيع محدودة من نحو 100 دولار للبرميل إلى أقل من 30 دولارا. والسبب الرئيس هو الإنتاج السريع والعالى للنفط الصخرى الأمريكى. أدى تدفق هذا النفط إلى تغييرات أساسية فى صناعة النفط العالمية لا تزال معنا حتى اليوم هذا. فقد أصبحت الولايات المتحدة ــ بدلا من استيراداتها النفطية العالية ــ مكتفية ذاتيا، ولا تحتاج إلا إلى القليل من الاستيراد، معظمه من الدول المجاورة: كندا والمكسيك. وازداد إنتاج النفط الأمريكى منذ عام 2017 نحو 1 مليون برميل سنويا، أو ما يعادل الزيادة السنوية للطلب العالمى. وقد بلغ معدل إنتاج النفط الصخرى فى الولايات المتحدة نحو 9 ملايين برميل يوميا خلال هذا العام.
***
من الجدير بالذكر التنويه هنا بأهمية زيادة الإنتاج نحو 9 ملايين برميل يوميا خلال عقد من الزمن. الأمر الذى يعنى توافر احتياطات عملاقة وإمكانات لوجستية ضخمة لإنتاج هذه الإمدادات الضخمة التى أخذت الدول الأخرى عقودا من الزمن للوصول إلى هذا المعدل الإنتاجى. وقد أدت هذه الزيادة فى إنتاج النفط الصخرى إلى انضمام الولايات المتحدة لكل من السعودية وروسيا فى مجموعة الدول ذات الطاقات الإنتاجية النفطية الأعلى عالميا.
وقد توقعت دراسة لشركة «برايس واترهاوس كوبرز» أن يبلغ إنتاج النفط الصخرى العالمى بحلول عام 2035 نحو 14 مليون برميل يوميا، أو نحو 12 بالمائة من مجمل الإنتاج النفطى العالمى. لكن السؤال المثير للجدل فى الأوساط النفطية هو: هل من الممكن توسيع رقعة إنتاج النفط الصخرى خارج أمريكا الشمالية (الولايات المتحدة وكندا). والجواب هو: نعم، بحذر.
إذ إن مواقف الدول الأوروبية لا تزال سلبيا تجاه تطوير هذه الصناعة، ولأسباب سياسية، حذرا وتخوفا من آثارها السلبية البيئية، بالذات تسرب ملايين الجالونات من المياه الممزوجة بالكيماويات والمستعملة لتكسير الصخور لتصل إلى أحواض مياه الشرب فى أسفل الآبار. كما هناك مخاوف أيضا من أن تكسير الصخور يؤدى إلى وقوع هزات أرضية. ونجد بالفعل أن كلا من بريطانيا وفرنسا قد منعتا رسميا إنتاج النفط الصخرى على أراضيهما، على الرغم من السماح لشركاتهما فى التنقيب عن النفط الصخرى فى دول أخرى.
من جهته، صرح الرئيس الروسى فلاديمير بوتين فى أوائل شهر نوفمبر 2019 أن إنتاج النفط الصخرى فى الولايات المتحدة هو عمل «بربرى» وأن روسيا «لم ولن» تنتج النفط الصخرى. هذا، مع العلم أن الاحتياطات الروسية للنفط الصخرى ضخمة جدا. يكمن السبب الرئيس لانتقادات بوتين فى تخوفه من المخاطر البيئية لهذه الصناعة.
***
تكمن حجج أولئك الذين يدافعون عن الصناعة، فى الآتى: أن الإنتاج الصخرى يزيد من إمدادات الغاز الطبيعى، الذى هو مصدر نظيف للطاقة. كما أن توافر إمدادات نفطية وغازية إضافية يخفض أسعار الوقود، الأمر الذى يستفيد منه المستهلك.
لقد استطاعت الولايات المتحدة تطوير هذه الصناعة الجديدة بسرعة فائقة بسبب توفر عوامل عدة غير متواجدة فى كثير من دول العالم الأخرى. فمثلا: يعتبر القانون الأمريكى الثروة الطبيعية تحت الأرض ملكا لصاحب الأرض وله كامل الحق فى استثمار رقعته الأرضية وإنتاج الموارد الطبيعية منها. هذا، بينما تعتبر معظم قوانين دول العالم الأخرى أن الثروة الطبيعية تحت الأرض هى ملك للدولة، ولا يحق لصاحب الأرض استثمارها لصالحه فحق الاستثمار هو للدولة فقط. من ثم، استطاع أصحاب الأراضى الموعودة مع شركات استثمارية صغيرة الاستكشاف عن النفط الصخرى بسرعة. كما استطاعت الشركات الاستثمارية الصغيرة الاقتراض من المؤسسات المالية العديدة فى الولايات المتحدة، التى وافقت على مشاركتهم مخاطر الولوج فى الصناعة الجديدة. كما أنه متوافر يد عاملة نفطية مهنية وافية فى الولايات المتحدة. وساعد النمو السريع أيضا لصناعة النفط الصخرى فى الولايات المتحدة تواجد العشرات من شركات الخدمات الهندسية الكبيرة والصغيرة الحجم، بالإضافة إلى توافر منشآت البنى التحتية اللازمة من خطوط أنابيب وخزانات جاهزة للعمل (تبين أخيرا أن المنشآت المتوافرة كافية لخدمة الاستهلاك الداخلى. وأن هناك نقصا كبيرا لمنشآت التصدير من موانئ متخصصة والأنابيب للموانئ. وقد أدى هذا النقص فى المنشآت إلى تأخر تصدير الإمدادات النفطية الجاهزة نحو سنتين حتى أوائل العقد المقبل).
وما يزيد من تكاليف إنتاج النفط الصخرى سرعة استنزاف الآبار وهو ما يؤدى إلى إعادة حفر البئر الواحدة مرارًا، وهو الأمر الذى يزيد من نفقات الإنتاج.
من الجدير بالذكر، أن هناك مجالات عديدة متشابهة ما بين كندا (التى لا تزال صادراتها منخفضة نسبيا مقارنة بطاقتها الإنتاجية، مما يخفض من حجم إنتاجها) والولايات المتحدة.
***
هناك أنواع مختلفة من النفوط غير التقليدية، وتتباين احتياطاتها وخصائصها. فمن الناحية البيئية، هناك النفط الخفيف للنفط الصخرى، وهناك النفط الثقيل جدا من حقل اورينوكو الفنزويلى. ويعتبر النفط الثقيل جدا مضرا للبيئة أكثر من النفط الخفيف، الأمر الذى يضيف ضغوطا على السياسات البيئية التى بادرت الكثير من دول العالم تبنيها منذ اتفاق باريس للمناخ لعام 2015.
كما هناك الرمل القارى فى ولاية البرتا الكندية الذى يتطلب استعمال طاقة كثيرة لإنتاجه، مما يضيف إلى كلفة الإنتاج وإلى مضاره البيئية مقارنة ببقية أنواع مصادر الطاقة.
وهناك الخلاف الكبير فى مدى كلفة كل من هذه الوقود وما هو الحد السعرى الأدنى اللازم لتحقيق الربح لكل منها مقارنة بإنتاج النفط التقليدى. ومن الطبيعى، أن كلفة الإنتاج لكل مصدر طاقوى تتغير وليست ثابتة. فالتقدم التكنولوجى السريع يقلص باستمرار من كلف الإنتاج. كما أنه يتوجب مقارنة كلفة إنتاج كل مصدر مع بقية مصادر الطاقة، أكان النفط التقليدى أو غير التقليدى. أخيرا، وليس آخرا، هناك سعر النفط فى فترة معينة، ومقارنة سعر السوق مع نفقات إنتاج طاقة معينة فى حينه. هذه جميعها عوامل تتداخل فى تقييم ربحية إنتاج النفوط غير التقليدية، بل وحتى التقليدية.
ويتوجب فى هذه المرحلة الانتقالية للطاقة، حيث إن العالم يعبر جسرا ما بين صناعة الهيدروكربون من جهة وصناعة الطاقات المستدامة (الشمسية والرياح) من جهة أخرى، أن نأخذ بنظر الاعتبار كلف إنتاج الطاقات المستدامة ومدى منافستها السعرية للنفوط التقليدية وغير التقليدية. وأيضا ما مدى منافستها للنفوط فى ظل توفر تخمة للإمدادات النفطية وأيضا فى ظل انخفاض مرحلى للطلب على النفط، إذ مع ازدياد إمدادات النفوط بأنواعها المختلفة سيعنى ذلك تفوق العرض على الطلب، الأمر الذى قد يخفض أسعار النفوط ويضع سقفا لمستوى الإنتاج للبعض منها. هذه أسئلة متعددة ستطرح على الصناعة النفطية فى المستقبل قريبا.