عندما تنتحر الورود
محمد عصمت
آخر تحديث:
الإثنين 2 ديسمبر 2019 - 10:35 م
بتوقيت القاهرة
فى إحصائية أصدرتها منظمة الصحة العالمية عام 2016، تصدرت مصر كل الدول العربية فى معدلات الانتحار بـ 3799 منتحرا، وهو رقم قياسى لا توجد إحصائيات موثقة توضح هل انخفض العدد أم زاد خلال السنوات التالية، ففى تقرير نشرته إحدى منظمات المجتمع المدنى منذ 5 أشهر انتحر 101 مصرى خلال شهور مارس وابريل ومايو من هذا العام، وهو ما قد يشير إلى انخفاض اعداد المنتحرين إذا اخذنا هذه الشهور مقياسا لمتوسط حالات الانتحار خلال العام كله، وقد يكون العدد أكثر بكثير لأن هذه الأرقام مأخوذة مما نشرته الصحف عن هذه الحوادث وليس من مؤسسات رسمية فى الدولة، فى حين تقول بعض التقارير إن هناك 88 حالة انتحار من بين كل 100 ألف مصرى، وهو ما يعنى اننا نواجه 88 ألف حالة انتحار كل سنة، وهو رقم قد يكون مبالغا فيه، لكننا لا نستطيع أن نكذبه أو نصدقه فى ظل غياب أى معلومة رسمية!!
لكن الظاهرة المثيرة فعلا هى أن أغلب المنتحرين من الطلبة والعمال وتتراوح أعمارهم ما بين الـ 21 والـ 30 عاما، قد يكون كل واحد منهم حالة خاصة لا تنطبق ظروفها المعيشية وأزماتها النفسية والاجتماعية ونوازعها الثقافية والدينية على الآخرين، لكننا لا يمكن أن نغفل توجه المزاج العام فى مصر بشكل عام ناحية التشاؤم بسبب صعوبات الحاضر والقلق المتزايد من المستقبل، كما أن صغر سن هؤلاء المنتحرين يثير التساؤلات حول مدى الاحباط الذى يحاصر هذه الفئات الواعدة من المصريين المفترض انهم يمثلون أمل الأمة ورغبة المجتمع فى التجديد والتطوير، فى نفس الوقت الذى تتحدث فيه الحكومة عن انجازات غير مسبوقة يعيشها المصريون فى مختلف المجالات، وتنظم فيه مؤتمرات للشباب لا تمت لهم ولا إلى مشاكلهم الحقيقة بأى صلة!
آخر المنتحرين فى مصر الذى قفز منذ يومين من فوق برج القاهرة، ربما يقدم نموذجا لهؤلاء المحبطين، فهو شاب فى العشرينيات من عمره انتهى من دراسته بكلية الهندسة، كان من المفترض أن مستقبلا ورديا ينتظره ويعده بتحقيق كل أحلامه، ومع ذلك فإن الشعور باليأس كان يسيطر عليه، لم يفهم أحد ممن حوله حجم المعاناة التى يواجهها وحده، فهو على ما يبدو لم يجد أحدا يصغى إليه، فالكل مشغول بمشاكله الشخصية المتفاقمة، لا وقت ولا جهد عنده ليفكر فى مشاكل الآخرين، ولا بالطبع القدرة على مساعدته لحلها.
الانتحار عند علماء النفس الآن ليس قرارا فرديا محضا، هو تفاعل ما بين عدة عناصر يلعب فيها تفسخ المجتمع وخلل توازنه وانهيار قيمه الدور الأكبر، المنتحر الآن أصبح ضحية وهناك جناة مختلفون قد لا يطالهم القانون دفعوه دفعا ليقتل نفسه!
والمؤكد أننا لن نتمكن من التعامل الصحيح مع ظاهرة الانتحار قبل أن نتمكن من تحديد كل هؤلاء الجناة ومحاكمتهم على جرائمهم.