عن منتخبات البلدان المقهورة
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الجمعة 2 ديسمبر 2022 - 8:10 م
بتوقيت القاهرة
شأنه شأن غيره من الأحداث الكبرى فى عالم اليوم، أصبح كأس العالم لكرة القدم فى زمن شبكات التواصل الاجتماعى مرآة تعكس تنوع آراء الناس واختلافاتهم الأخلاقية والسياسية.
أتحدث مع زملائى فى مؤسسة كارنيجى عن مباريات الدورة الحالية المقامة فى دولة قطر، فأجد الشباب منهم يعبرون عن تعاطفهم مع المنتخبات الوطنية لدول الجنوب العالمى ويتمنون فوز المنتخبات الأفريقية والآسيوية والأمريكية اللاتينية. أشير إلى شباب من الأمريكيين ذوى الأصول العرقية المختلفة ومن مواطنى الدول الأوروبية وبعض مساعدى البحث من الأمريكيين اللاتينيين والعرب والآسيويين، والذين يجمعهم رفض استعلاء منتخبات دول الشمال العالمى ويرون فى هزائمهم فرصة للتمرد على هيمنة الأغنياء والأقوياء.
بالقطع، ثمة تعديلات ملفتة يدخلها مناصرو منتخبات «الدول المقهورة» (بتعبير زميلة لى تعمل ببرنامج الشرق الأوسط فى كارنيجى) على قوائم دول الجنوب والشمال. فالأرجنتين على سبيل المثال تخرج من قائمة الجنوب، بداعى النظرة السلبية لمنتخبها المتهم بالعنصرية والاستعلاء من قبل الأمريكيين اللاتينيين الآخرين. ومنتخبات اليابان وكوريا الجنوبية، على الرغم من تقدم وثراء البلدين وتصنيفهما ضمن بلدان الشمال، يضافان إلى قائمة الجنوب ويتمنى لهما الانتصار فى مواجهات دور المجموعات والأدوار التالية (حتى لحظة كتابة هذه السطور، صعدت اليابان إلى دور الـ ١٦ بعد فوز منتخبها على ألمانيا وإسبانيا وهزيمته من كوستاريكا فى المجموعة الخامسة، ولم يعرف بعد مصير كوريا الجنوبية فى المجموعة الثامنة). وتمتد نفس المعاملة، ضم منتخبات من الشمال العالمى إلى قائمة الجنوب، إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا وأستراليا (والأخيرة بحسابات التقدم والثراء وليس باعتبارات الجغرافيا من بين دول الشمال) نظرا لحداثة عهد منتخبات البلدان الثلاثة بكرة القدم وابتعاد لاعبيها، وعلى خلاف بعض لاعبى بعض المنتخبات الأوروبية، عن ممارسة الاستعلاء على الآخرين.
وفى باب الإقصاء من أو الضم إلى قائمة الجنوب، كان لافتا استبعاد المنتخب الإيرانى من قائمة منتخبات البلدان المقهورة. والسبب هو عنف سلطات الجمهورية الإسلامية تجاه النساء وغيرهن ممن يحتجون فى أقاليم ومدن إيران على القهر والاضطهاد وتجاهل الحقوق والحريات. حين امتنع لاعبو المنتخب الإيرانى عن غناء النشيد الوطنى فى مباراتهم الأولى فى دور المجموعات (كانت إيران فى المجموعة الثانية مع إنجلترا والولايات المتحدة وويلز)، تعاطف كثيرون مع هذه اللفتة واعتبروها دليلا على معارضة اللاعبين لقمع السلطات للنساء. غير أن اللاعبين غيروا، طوعا أو كرها، موقفهم فيما بعد وخرجوا بتصريحات موالية للسلطات وهو ما أسفر عن إقصاء الشباب المتعاطفين مع منتخبات البلدان المقهورة لإيران من القائمة.
• • •
أما فى باب رفض استعلاء منتخبات الشمال، وهى تصير فى وقائع الدورة الحالية لكأس العالم قاصرة على المنتخبات الأوروبية ومعها الأرجنتين، فيتحصل المنتخب الفرنسى ومعه المنتخب الألمانى على أعلى درجات الرفض. تأهل المنتخب الفرنسى عن المجموعة الرابعة إلى دور الـ ١٦ بعد فوزه على منتخبى أستراليا والدنمارك وهزيمته من المنتخب التونسى. استدعت الهزيمة من منتخب تونس والذى ودع كأس العالم بعد إخفاقه فى التأهل، استدعت من بعض لاعبى المنتخب الفرنسى تعليقات بالغة الاستعلاء والقبح من شاكلة «لم نرد أن يذهب التوانسة فى حزن إلى بلادهم» و«لم نرد أن نقسو على تونس بعد خروجها» وغيرها من العبارات التى لم تدلل سوى على نظرة الاستعلاء والعنصرية التى لم يتخلص منها بعض الأوروبيين بعد.
أما المنتخب الألمانى، فأثار حفيظة الكثيرين، من جهة، بالتراخى الذى ظهر عليه فى مباراته الأولى فى المجموعة الخامسة أمام اليابان، والانطباع الذى صدره بعض لاعبيه بالاستهانة باليابانيين. ومن جهة أخرى، أثار المنتخب الألمانى غضبا إضافيا بإشارة الصمت (وضع اليد أمام الفم) التى قام بها لاعبوه أيضا فى بداية مباراتهم أمام اليابان للاحتجاج على منع الفيفا لشارات «قوس قزح» و«حب واحد» الداعمة للمثلية الجنسية من ملاعب الدورة الحالية لكأس العالم. مناصرو منتخبات البلدان المقهورة اعتبروا، وبمعزل تام عن مواقفهم الفردية وتفضيلاتهم الشخصية، أن فى إشارة الألمان ادعاء بكونهم ومعهم غيرهم من الأوروبيين يحددون بانفرادية ما ينبغى على العالم تبنيه والدفاع عنه وما يتعين عليه رفضه والتخلص منه.
تشعرك نظرة مناصرى منتخبات البلدان المقهورة إلى الدورة الحالية من كأس العالم لكرة القدم، وكأنك تتابع يوميات حركة «حياة السود مهمة» أو وقائع الاصطفاف مع أوكرانيا فى مواجهة الغزو الروسى أو حالة التعاطف العالمى مع النساء الإيرانيات. هى يوميات فى السياسة ووقائع للتعبير عن المواقف الأخلاقية وانحيازات الرأى مغلفة بغطاء الرياضة الأكثر شعبية فى كوكبنا.