تصورات فى نهاية الزمان

محمد السماك
محمد السماك

آخر تحديث: الأحد 3 يناير 2010 - 9:47 ص بتوقيت القاهرة

كان المصريون القدماء يؤمنون أن التاريخ يعيد نفسه. وأن الأحداث تمر فى حلقة دائرية بحيث تعود دائما إلى نقطة البداية. التقط هذه النظرية كما يعتقد المؤرخ الإنجليزى نورمان كوهن وأعطوها بعدا تأصيليا دينيا فى عام 1500 أو 1200 قبل الميلاد. فقد تصوروا أن ثمة إلهين أحدهما (أهورا) يصنع العالم والآخر (ماجد) يحميه. كما تصوروا أن ثمة إلها آخر مدمرا (أنكرا مانيو). وأنه فى النتيجة يصل العالم بعد التدمير إلى نهاية سعيدة حيث يتغلّب الخير على الشر حتى نهاية الزمن.

انتقلت هذه الاعتقادات إلى اليهود، ومنهم إلى المسيحيين الإنجيليين. وتسود هذه الاعتقادات ثقافة وفلسفة الحركة الإنجيلية التى تعرف فى الولايات المتحدة بحركة «المولودين الجدد أو المولودين ثانية». ويؤمن هؤلاء بحتمية وقوع معركة مدمرة كبرى تسبق العودة الثانية للمسيح وتشكل شرطا لازما لهذه العودة. كما يعتقدون أن المسيح يحقق بعودته الأمن والسلام والرخاء والازدهار فى العالم لمدة ألف سنة، وبعدها ينتهى الزمن. وتبرز هذه الأدبيات الإيمانية أيضا فى نظرية عودة الإمام المهدى لدى المسلمين الشيعة. وهى تقول بأنه يسبق ظهوره انتشار الفساد والظلم وأنه سوف يحقق السلام والعدل فى العالم.

إن رحلة هذه الاعتقادات من الزرادشت القدامى إلى المسيحيين الانجيليين المعاصرين (بعض الإنجيليين طبعا) وإلى المسلمين الشيعة، توقفت فى عدد من المحطات العقائدية، لعل من أبرزها:

أولا: فى عام 156 بعد الميلاد ادعى شخص يدعى «مونتانوس» أن روح القدس حلّ فيه، وأوحى له بأن «القدس الجديدة» سوف تهبط قريبا من السماء فى منطقة «فريجيا» التى كان يعيش «مونتانوس» فيها. واستعدادا لاستقبال المدينة المقدسة الهابطة من السماء، كان على الناس أن يجلدوا أنفسهم ليتطهروا من الخطايا، لأنه لن يُسمح بدخول المدينة لغير الأطهار، فتبعه كثيرون.

ثانيا: بعد مرور ألف عام على دعوة مونتانوس، قامت فى ألمانيا حركة دينية سرية فى مدينة ثيرينجيا أطلقت على نفسها اسم «جلادو الذات»، فآمنت بفكرة هبوط المدينة وطهارة النفس بالجلد استعدادا لدخولها.

ثالثا: فى القرن التاسع عشر أنشأ اللاهوتى الإنجيلى وليم ميلر حركة دينية فى الولايات المتحدة تقوم على المبادئ ذاتها التى قامت عليها حركة مونتانوس (أى جلد الذات) إلا أن فكرة هبوط «القدس الثانية» استُبدلت بفكرة العودة الثانية للمسيح. ولقد حدد ميلر تاريخا لهذه العودة هو الثانى والعشرين من أكتوبر 1844. ولكن عندما لم يعد المسيح فى هذا التوقيت المحدد، تعرّض ميلر وأتباعه إلى السخرية فى الصحافة الألمانية آنذاك. ولكن هؤلاء الأتباع استعادوا ثقتهم بميلر وبدعوته عندما أعلن مزارع يدعى حيرام أدسون أنه تلقى إيحاء من السماء للخروج من الكنيسة حيث كان يؤدى صلاة الليل، والتوجه إلى الاسطبل لمواصلة أداء الصلاة! وهناك أُعلم بأن المسيح بدأ «محاسبة الأموات» تمهيدا لعودته الثانية إلى الأرض. وهكذا ولدت كنيسة «الأدفنتيست» Adventist ــ أى العائد ــ. ويبدو أن الادعاء بإيحاءات السماء لايزال مستمرا حتى اليوم. وكان آخر تجلٍ لذلك فى المكسيك حيث ادّعى أحد القساوسة انه «أوحى»(؟) إليه بخطف طائرة مدنية مع ركابها. ولقد قام فعلا بعملية الخطف وانتهت عملية الايحاء عند هذا الحد، دون أن يصاب أحد من ركاب الطائرة بأذى.

واستندت آخر رواية عن نهاية الزمن إلى معلومات نسبت إلى وكالة الفضاء الأميركية ــ ناسا ــ تدّعى أن جرما فضائيا سوف يرتطم بالآرض فى سبتمبر ــ أيلول من عام 2012، وأن هذا الارتطام سوف يؤدى إلى انبعاث غازات سامة تصاحبها اشعاعات شمسية تدمر الحياة تدميرا كاملا.

وكانت كنيسة شهود يهوه «Jehovah's Witnesses» قد حدّدت بين عامى 1874، 1975 تسعة تواريخ لهذه العودة دون أن تتحقق. ولذلك توقفت منذ ثلاثة عقود عن تحديد أى موعد جديد.

ومن هنا تكاثرت هذه الحركات وازدهرت طوال القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين.

رابعا: لعل من أهم وأبرز الذين فلسفوا لاهوتيا هذا الاعتقاد كان اللاهوتى البريطانى جون نلسون داربى. هاجر هذا القسيس الانجيلى إلى الولايات المتحدة فى القرن التاسع عشر وأطلق من هناك دعوته التى أرست الأسس التى تقوم عليها فى الوقت الحاضر العقيدة الانجيلية المتطرفة أو المسيحية الصهيونية المعاصرة. وقد عمل داربى على تأويل نص ورد فى رسالة القديس بولس إلى الثيسالونيين (فى اليونان) قال فيه «إن المسيحيين الأموات والمؤمنين حقا سوف يلتقون معا فوق السحاب». وعلى قاعدة هذا القول تبلورت نظرية ارتفاع المؤمنين بالمسيح إلى السماء خلال معركة مدمرة ــ «معركة هرمجيدون» ــ، ومن ثم نزولهم معه إلى الأرض لينشر الأمن والسلام فى العالم.

والكتب الأوسع انتشارا فى الولايات المتحدة هى التى تتحدث عن هذه النظريات الدينية، مثل كتاب هول ليندسى «الكرة الأرضية العظيمة الأخيرة The Last great Planet Earth»، وكتاب «المتروكون» Left Behind، والذى بيع منه 40 مليون نسخة حتى العام الماضى.

خامسا: فى عام 1973 ادعى كلود فوريون ــ الذى كان يعمل مراسلا صحفيا لمجلة رياضية فرنسية متخصصة فى سباق السيارات، انه تعرّض للاختطاف من قبل مخلوق فضائى احتجزه داخل صحن طائر لمدة ستة أيام. ووصف خاطفه بأنه أخضر اللون ولكنه يتحدث الفرنسية بطلاقة. وادعى كلود أن خاطفه أبلغه ان اسمه الحقيقى هو «رائيل» Rael وليس كلود، كما أبلغه أن الناس اخطأوا فى قراءة الانجيل وأساءوا فهمه، وأن الترجمة الصحيحة لكلمة «ايلوهيم» Elohim ومفردها «الوها» لا تعنى الله، كما اعتقد اليهود منذ القدم، ولكنها تعنى أولئك الذين قدموا من السماء.

ثم كشف لكلود (عفوا لرائيل) عن سر الحياة عندما أبلغه أن جماعته ــ أى المخلوقات الفضائية ــ هم الذين خلقوا كل شىء على الأرض، وأنهم فعلوا ذلك فى مختبر خاص حملته مركبة فضائية، وأنهم سوف يعودون ثانية ليزوّدوا البشر بالتقنية المتقدمة التى من شأنها أن تغيّر العالم بصورة كلية. واليوم تدّعى «الحركة الرائيلية» (نسبة إلى رائيل) أنها تقوم بعمليات الاستنساخ البشرى فى مناطق متعددة من العالم الا أنه لا يتوافر أى دليل يؤكد نجاحها فى هذه العمليات. ويقول رائيل إنه مطلوب منه بناء سفارة فى القدس. وإنه من دون بناء هذه السفارة فإن المخلوقات الفضائية لن تشعر بأنها موضع ترحيب. وقد تقدم فعلا بطلب إلى إسرائيل حتى تسمح له ببناء السفارة بعد أن انهمرت عليه التبرعات من اتباعه ــ ولاتزال ــ لتمويل هذا المشروع.

سادسا: يقع بين الجليل فى شمال فلسطين والضفة الغربية سهل يطلق عليه اسم مجيدو. عندما وصل نابليون إلى هذا السهل اثناء اجتياحه للشرق قال «إن هذا المكان سيكون مسرحا لأعظم معركة فى العالم. ذلك أن الكتاب المقدس يعلّمنا أن آخر أكبر حرب فى التاريخ سوف تخاض فى هذا المكان من العالم: الشرق الأوسط».

وفى عام 1977 كتب الرئيس السابق للقساوسة التوراتيين فى الولايات المتحدة (س.س.كريب): «فى هذه المعركة النهائية فإن المسيح الملك سوف يسحق كليا ملايين العسكريين المتألقين الذين يقودهم الديكتاتور المعادى للمسيح Anti Christ)».

وفى كتاب «العالم الجديد القادم» يقول اللاهوتى هول ليندسى: «فكروا فى مصير ما لا يقل عن 200 مليون جندى من الشرق مع ملايين أخرى من قوات الغرب من الإمبراطورية الرومانية المستحدثة (أوروبة الغربية) يقودها أعداء المسيح».

«إن عيسى المسيح سوف يضرب أولا أولئك الذين دنسوا مدينته، القدس. ثم يضرب الجيوش المحتشدة فى مجيدو. فلا غرابة أن يرتفع الدم إلى مستوى ألجمة الخيل مسافة 200 ميل من القدس.. وهذا الوادى سوف يملأ بالأدوات الحربية والحيوانات وجثث الرجال والدماء».

ويضيف ليندسى فى كتابه: «عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى، بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قُتل، تحين ساعة اللحظة العظيمة، فينقذ المسيح الانسانية من الاندثار الكامل. وفى هذه الساعة سيتحول اليهود الذين ينجون من الذبح (144 ألفا فقط) إلى المسيحية».

وينقل القس جيرى فولويل عن إصحاح زكريا 11/12 و16/16 وعن إصحاح إسحاق 36/35 و35: «أن ساحة معركة هرمجيدون سوف تمتد من سهل مجيدو فى الشمال إلى أيدوم ــ على البحر الميت ــ فى الجنوب، مسافة نحو 200 ميل. وتصل إلى البحر الأبيض المتوسط فى الغرب والى تلال موهاب فى الشرق، مسافة 100 ميل تقريبا. وأن النقطة المركزية للمنطقة كلها ستكون مدينة القدس، وذلك استنادا إلى تأويل ما ورد فى سفر زكريا 14 الآية 1 و2» التى تشير إلى أنه «ستتجمّع فى هذه المنطقة الملايين المتعددة من الرجال (بحيث يصل عددهم إلى 400 مليون دون أى شك) من أجل حدوث المأساة النهائية للإنسانية. ونقل عن الإصحاح 14/3: «أن الملوك فى جيوشهم سيأتون من الشمال والجنوب ومن الشرق والغرب. وبشكل درامى مثير سيكون هذا الوادى وادى القرار حول مصير الإنسانية» وتساءل فولويل: «لماذا ستدور المعارك هنا؟.. ولماذا يقود أعداء المسيح جيوشهم فى العالم ضد المسيح الإله؟».

ويجيب عن تساؤلاته بقوله: «أولا، لأنهم يكرهون سيادة الله، فالمعركة كانت دائما الشيطان ضدّ المسيح. تلك هى المسألة. ثانيا، لأن هذه الأمم سوف تأتى بسبب تضليل الشيطان. ثالثا بسبب كراهية الأمم للإله عيسى المسيح. شىء ما سيحدث خلال هذه المعركة، سيجف نهر الفرات (إصحاح 12/16) وسيتم تدمير القدس فى هذه الأثناء، ويتابع فولويل استنادا إلى إصحاح يوحنا: «إن كل صقور السماء سوف تنهش من لحوم الملوك ومن لحوم كل الرجال الأحرار منهم والعبيد، الكبار والصغار». وقد بنى فولويل نظريته الدينية التى يعتنقها الملايين من الأمريكيين على تفسيره لرؤية يوحنا.

ويقول فولويل الذى توفى منذ بضعة أشهر فى الولايات المتحدة «إن يوحنا رأى وحشا فى منامه ورأى ملوك العالم بجيوشهم مجتمعين لشنّ حرب ضدّ الإله المسيح الذى يبدو فى تلك الرؤيا رجلا يمتطى حصانا أبيض. وفيما تقترب هرمجيدون من نهايتها، وملايين الأموات على الأرض فإن الإله المسيح سيضرب الوحش والنبى الكذاب (المعادى للمسيح) ويلقى بهما فى بحيرة من نار تغلى فيها الحجارة. وسيذبح المسيح كل أعدائه الآخرين ولن ينجو من هرمجيدون إلا الذين آمنوا به وبعودته»!  

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved