الإنـذار الأخيـر

إبراهيم يسري
إبراهيم يسري

آخر تحديث: الإثنين 3 يناير 2011 - 10:19 ص بتوقيت القاهرة

 هز حادث ضرب كنيسة الإسكندرية وسقوط هذا العدد المفزع من ضحايا فى يوم عيدهم وبعد توجههم لله بالصلاة وجدان الوطن وأثار فى نفوس المصريين لواعج الحزن والأسى، ولكن يجب أن نعتبر هذه الجريمة الإنذار الأخير لمصر والمصريين وسط التطورات الداخلية والخارجية التى تتعرض لها مصر والمنطقة كلها. ولذلك لم يعد يكفى البكاء ولا الاعتماد على التصريحات الحكومية، ولا لقاء البابا وشيخ الأزهر فقد تكرر مثل هذا التناول لتهدئة النفوس ولكنه تجاهل جذور الحل.

قبل أن نغرق فى الحزن والأسى ونلقى بالجريمة على أكتاف منظمة أو أفراد أو ثقافات، ينبغى لمصر كلها أن تفخر برد الفعل النبيل والغاضب الذى تمثل فى مظاهرات ومسيرات وأحاديث فى كل منزل أو شارع أو حارة تعبر عن رفض استمرار هذه الجرائم وإدراك مدى خطورتها ليس فقط على طائفة أو أخرى ولكنها تهدد وجود هذه الأمة التى عاشت قرونا من الحب والتعايش لقرون سحيقة لتجد المسجد بجوار الكنيسة والقبطى يجير المسلم ومازلت أذكر ظاهرة تحالف شيخ المسجد مع قسيس الكنيسة فى قريتى على ترسيخ نفوذ وسيطرة كل منهما على رعيته واستغلال بساطة أهل القرية للتربح ولقد كان ولايزال صديق عمرى قبطيا تحدثت معه فى تورونتو كندا ليلة أمس.

ليس هذا هو الحدث الأول فقد تكرر المشهد سواء بيد متعصبين من الجانبين، أو بتأثير خارجى ومن هنا فاجتثاث الاحتقان الطائفى السائد الآن والذى لم ينجرف معه حكماء الجانبين، ولا أغلبية المصريين ينبغى تناوله الآن بجدية وحلول جذرية غير تقليدية تحسبا لخطر كبير يدبره المتعصبون الخارجون عن الوعى والإدراك فى الداخل وتغذيه وتفرح به قوى أجنبية فى الخارج. وإذا مرت الأحداث السابقة بسلام فذلك يرجع لحكمة الكنيسة المصرية ووطنيتها فى المقام الأول، فقد رفضت كل محاولات الانجليز للتفرقة بين الأقباط والمسلمين أثناء الاحتلال، ووقفت ضد الصهيونية وأيدت حقوق الفلسطينيين بل حرمت على رعاياها زيارة القدس أثناء الاحتلال، الأمر الذى لم تحسمه المؤسسة الدينية الإسلامية.

ففى مصر رأينا أن الدولة لا تملك القدرة على التعامل مع الاحتقان الطائفى بل قد تغذيه بيروقراطيتها وسطحية إجراءاتها.

إن معالجة هذه القضية الحيوية تتطلب بالضرورة حوار مجتمعى يؤدى بنا إلى دولة يسودها القانون ويحترم فيها الدستور وأن يحكمها شعبها ولا تزيف إرادتها، أما الحكم الذى يقوم على حكم الفرد وثقافة الحزب الواحد والمعالجة الأمنية والقمعية فلن يستطيع مواجهة أو حل المشاكل المهمة التى يعانى منها الشعب وعلى رأسها الاحتقان الدينى، فلو احترم النظام نصوص الدستور الحالى فى شأن المواطنة وحرية العقيدة والمساواة بين المصريين، ولو كانت هناك حرية يستطيع المواطن القبطى أو المسلم أن يطالب بحقوقه وأن يدافع عنها لما تولدت جذور هذه المشكلة.

كذلك فقد أسفرت سياسة النظام خلال عقود، عن عدم قدرته على إدارة أمور البلاد وحده دون استشراف مطالب الجماهير أو حل مشاكلها فزاد الفقر واضمحل التعليم وتدهور التأمين الطبى إلى آخر هذه المشاكل التى ضاق بها المواطن القبطى والمسلم الذى حرم من ممارسة السياسة فانجرف إلى الكرة والتعصب والعنف. ومن هنا فإن مجلس الشعب الحالى بالطريقة التى جاء بها وبالأسلوب الفج الذى انتخب به رئيسه لا تتوفر له القدرة على تناول الاحتقان الطائفى وغيره من قضايا الأمة.

كذلك فلا بد أن تبذل المؤسستان الدينيتان أقصى جهودهما مدعمة بإعلام قوى وأن تلطف من خطابها الدينى فى شأن التآلف بين الطرفين ليعود الأمر كما كان ويسود دفء المحبة والوئام التى عهدناها من قبل.

ولا ينبغى أن ننظر لمثل هذه الجرائم بمعزل عما يجرى من محاولات ومخططات لإعادة رسم خريطة المنطقة وتفكيك كياناتها فى العراق ولبنان واليمن والسودان وإلا نستبعد مصر من هذا المخطط الذى لم يلق من النظام الاهتمام الكافى سابحا فى غياهب التصريحات المعسولة التى يغمرنا بها الأشقاء الأفارقة فى شأن مياه النيل وانفصال الجنوب ومازال يغض الطرف عن الدور الأمريكى والإسرائيلى فى منطقة حوض النيل ولا يستشرف خطورتها بالقدر الكافى.

أمامنا الآن أن نعالج الاحتقان معالجة وقتية، ولكن يجب أن نعتبر جريمة الإسكندرية هى الإنذار الأخير لكيان الدولة المصرية العريقة.

فهل من يسمع ومن يرى؟

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved