فوق كل ذي علم.. عليم!
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 3 يناير 2020 - 8:40 م
بتوقيت القاهرة
يظل العلم دائما مفتاحا للمعرفة، ويظل الطبيب مشدودا إليه متى آمن أن الطب رسالة يجب أن يؤديها بضمير يقظ وحكمة تضمن سلامة المريض وشفاءه بإذن الله تعالى، ويجهتد الطبيب فى متابعة كل جديد، ويسافر لحضور مؤتمرات مهمة، يناقش فيها دائما كل المستجدات فى أمور التشخيص والعلاجات التى تتطور بصورة مذهلة، فيصوغها العلم والعلماء فى صورة توصيات تصور دائما فى نهاية تلك المؤتمرات، ويحرص على اتباعها الجميع، ويجدد لها الحماس دائما عند العودة كل إلى موطنه وقد حفظ كتابه.
يعد الطبيب بالفعل ناجحا، يقبل عليه المرضى كلما علا شأنه وحرص على اتباع تلك التوصيات أو ما يعرف بالإنجليزية Guide lines حتى إنها تعد الفيصل والحكم فى مناقشات الأطباء إذا ما اختلفت الرؤى.
أنا أيضا بلا شك أسعى لمعرفة التوصيات التى تصدر عن المؤسسات التى ننتمى إليها عالميا فى طب القلب والشرايين، سواء بحضور المؤتمرات الدورية أو بمطالعة المطبوعات ومتابعة التوصيات، لكنى فى الواقع دائما ما كنت أحتفظ لنفسى ببعض التحفظات التى لا تجعلنى أحيد عن تلك التوصيات، بل أتفهمها فى ضوء مبدأ أن التجارب تتشابه لكنها لا تتطابق، فعلى سبيل المثال لا يمكننا تطبيق مبادئ عامة على كل البشر، لابد من أن هناك بعض الاختلافات نتيجة اختلافات البيئة والثقافة والأجناس والصفات الوراثية.
تمر الأيام وتتعمق خبرات الإنسان تثريها التجارب المتكررة، وأنا على اعتقادى أن ما يصلح لإنسان قد لا يصلح لغيره، وأن على الطبيب أن يتفهم كل حالة مريض فى ضوء معطيات مختلفة زادت أو انحسرت.
كنت أشعر بالرضا دائما وأنا أعالج مرضاى بتلك القناعة التى لم أحِدْ عنها طوال سنوات ممارستى لمهنة الطب إلى أن ساقت لى المصادفة من يؤكد لى صدق حدسى.
صديق مهندس فى أول الستينيات وإن كان يبدو دائما، مليئا بالحياة، مقبلا عليها إلى جانب تفوقه فى أعماله، صاحب رأى وثقافة واسعة يجيد اختيار موضوعات حديثة ولا يخوض إلى فيما يجيده ويتفهمه، بدت لديه أعراض قصور الشرايين التاجية، نصحته بإجراء قسطرة تشخيصية وبعض الأبحاث الأخرى، فجاءت مؤكدة وفقا للتوصيات أنه بحاجة ملحة لإجراء عملية قلب مفتوح لاستبدال الشرايين التالفة بغيرها، سبقنى زملائى لتشخيصه بعد إجراء القسطرة وأكدوا أن علاجه الوحيد الجراحة.
فى الواقع أنا أيضا أيدت الرأى وبدأت أستعرض زملاءنا من الجراحين البارعين الذين يمكنهم إجراء العملية، لكنى فوجئت تماما برد فعله، رفض إجراء العملية بإصرار، فالواقع أنه لم يكن يعانى من تلك الآلام الحادة التى تنتاب الإنسان فى حالات الإصابة بالذبحة الصدرية، كان نشاطه وحركته السريعة أول ما يلفت النظر إليه.
حاولت كثيرا أن أثنيه عن عزمه، لكنه عاد للرفض بإصرار «أنا على ثقة فى العلاج الطبى، ولك أن تشرحى لى كل ما يجب عمله أو تغييره فى أسلوب حياتى يتعلق بعاداتى أو طعامى أو نشاطى، هذا ما أريده وسأفعله، ولن أسلم نفسى للجراحة أبدا».
احترت كثيرا فى أمره.. هل يعكس هذا خوفا عميقا من الجراحة يخفيه ذلك المظهر الواثق والشخصية المهابة؟ أم أنه إيمان عميق وتسليم لله سبحانه وتعالى؟ كان أن استسلمت لقراره وبدأنا فى مناقشة الأدوية وأسلوب التعايش مع شرايين القلب المعطوبة، كان الأمر سهلا لأن لديه خلفية طبية واسعة، ومعلومات علمية سليمة، لم يتغير عليه حال، ظل مقبلا على الحياة محبا لها واعيا لكل ما يمكن أن يعود على صحته النفسية والجسدية بخير.
مرت ثلاثة أشهر وأعلنت نتيجة دراسة طبية موسعة تم إجراؤها فى ٢٠ بلدا من أنحاء العالم Ischaemia trial كان الهدف منها دراسة وتحديد أفضل وسيلة لعلاج أمراض قصور الشرايين التاجية فى الحالات المستقرة التى لا يعانى مرضاها ألم الذبحة الصدرية بصورة مستمرة.
تفوق العلاج الطبى مع الاهتمام بالغذاء الصحى وممارسة الرياضة على اللجوء لجراحات القلب المفتوح.
راقبته وهو يمارس رياضة المشى فى حديقة منزله، لم أشأ إزعاجه حتى انتهى فأقبلت عليه وبيدى صورة من الدراسة.. حقا فوق كل ذى علم.. عليم.