مصريون يقتلون مصريين!
معتز بالله عبد الفتاح
آخر تحديث:
الجمعة 3 فبراير 2012 - 9:15 ص
بتوقيت القاهرة
لو كان لى أن ألخص ما أشاهده أمامى فى حياتنا السياسية فهو أربعة مكونات: كثرة فى الخَلق، ندرة فى الخُلق، تمردٌ فى المجتمع وتمارضٌ فى الدولة.
مصريون يقتلون مصريين، هل ممكن؟
طبعا وارد جدا لأننا ببساطة نتصرف بلا هدى من علم أو دين أو خلق، وإنما بهدى من الهمجية والعشوائية. ويكفى أن نعود إلى فرع فى علم النفس الاجتماعى يهتم بسلوك الجماهير Crowd Psychology وبالذات الجماهير الغاضبة. كتب غوستاف لوبون Le Bon من مائة عاما عبارات ممكن أن تفسر لنا الكثير مما يحدث حولنا. فى كتابه «سيكولوجية الجماهير» يوضح لوبون أن الفرد المنخرط مع الجماهير الغاضبة بلا قيادة رشيدة وكأنه ينزل درجات على سلم الحضارة الإنسانية. لأن الإنسان حين يكون فردا معزولا عن الآخرين يقوم بحسابات عادة أكثر عقلانية وأقل نزعة لشيطنة الآخرين لأنه يعلم أن خسائره الشخصية قد تكون كبيرة ولذا يبدو متعقلا أكثر مما هو عليه مع جموع غاضبة. ولكنه ما إن ينضم إلى الجماهير الغاضبة بلا قيادة رشيدة حتى يصبح مقودا بغريزته التى تذوب مع غريزة المجموع الغاضب وبالتالى يسلك الجميع سلوكا همجيا. وفى هذه اللحظة المسماة بالاستلاب النفسى الجمعى (أى عدم القدرة على السيطرة على القرارات الشخصية بسبب ذوبان الشخص فى المجموع) يتصف بعفوية الكائنات البدائية وعنفها وضراوتها وحماستها وبطولاتها أيضا ويترك نفسه فيها عرضة للتأثر بالكلمات والصور التى تقوده إلى اقتراف أعمال مخالفة لمصالحه الشخصية بشكل واضح وصريح لو كان يفكر بشكل منفرد. إن الفرد المنخرط فى الجماهير الغاضبة بلا قيادة رشيدة هو أشبه بحبة رمل تذروها الرياح على هواها. كما يذهب جوستاف لوبون.
هذا الكلام لم يكتب آنذاك عنا، وإنما عن غيرنا، ولكننا أصابنا نفس المرض. كثرة فى الخلق بلا قيادة رشيدة وبلا هدف ملهم، وندرة فى الخُلق الرادع ذاتيا لأننا يبدو لم نهتم كثيرا بتربية أنفسنا على حسن الخلق. يضاف إلى ذلك جرثومة التمرد التى أصابتنا جميعا بدرجات متفاوتة كجزء من المناخ الثقافى المسيطر فى أعقاب الثورة، وتمارض فى أجهزة الدول عن القيام بمهامها لأنها فى اعتقاد دائم أنها فى حالة انتقالية وأن الحكومة الحقيقية ستأتى يوما ما مع الرئيس الجديد الذى سيأتى بعد الدستور الذى سيأتى بعد الجمعية التأسيسية التى ستأتى بعد انتخابات مجلس الشورى. وكل هذا سيحدث خلال الأشهر الخمسة القادمة، وفقا لخطة المجلس الأعلى الذى يرى أن الوقت مورد غير محدود وأن ما كان يمكن أن يتم العام الماضى يمكن أن يتم فى أى وقت.
الأيام القادمة صعبة، والقيادة السياسية غير كفئة، وهى غير مقتنعة بذلك، ومؤشرات التمرد تزيد، والبحث عن طرف ثالث وأياد خفية غير مجد.
أخشى أننا من الآن وحتى تنتهى المرحلة الانتقالية سنكون قد خسرنا أكثر مما نطيق ونوقع أنفسنا فى بئر عميق لا نستطيع الخروج منه.
كتبت من قبل أنه لو هاجمت إسرائيل مصر، فسنتوقف جميعا عن هذا الاقتتال دفاعا عن الوطن، لكن إسرائيل لن تفعل ذلك وفقا لنظرية نابليون بونابرت: «إذا كان عدوك يدمر نفسه، فلا تقاطعه».