تعامد الثقافة والسيادة

صحافة عربية
صحافة عربية

آخر تحديث: الإثنين 3 فبراير 2025 - 6:45 م بتوقيت القاهرة

 هناك مقولة شهيرة تقول: «الأسواق قادرة على تصحيح نفسها بنفسها». فى ضوء ذلك، نشرت صحيفة الخليج الإماراتية مقالًا للكاتب عبداللطيف الزبيدى، أورد فيه أنه يؤمن أن البلدان -تمامًا كالأسواق- قادرة على تصحيح نفسها بنفسها، وتجاوز التحديات، مستشهدًا بفرنسا ونجاحاتها فى مواجهة الغزو الثقافى الدخيل، وكيف يمكن للشخصيات والقامات الفكرية العربية أن تحتذى بها فى مواجهة تحديات مماثلة.. نعرض من المقال ما يلى:

ما رأيك فى المقولة الشهيرة: «إن الأسواق تصحّح نفسها بنفسها»؟ الناس فيها مختلفون. لكن، ماذا لو قيل لك إن البلدان أيضًا يمكن أن تصحّح نفسها بنفسها؟ ستقول: ما لنا من بعد هذا من مرام، بل إن هذا الأمر فى الإسلام أمر ولو كان غير مباشر: «لا يغيّر الله ما بقوم حتى يغيّروا ما بأنفسهم» (الرعد 11). أى اكسروا الحلقة المفرغة التى تدور فيها التنميات المتعثرة، ثم توكلوا.

أحيانا تُستحسن مقاربة الموضوع من بعيد، مثلما تأخذ مسافةً من اللوحة التشكيلية، فى سبيل رؤية أفضل. سننتقى مشهدين مختلفين من فرنسا، وليس هذا وقوعا فى المثل الإيرانى: «دجاجة الجار إوزّة»، ولكن لنتأمل كيف يحدث التصحيح الذاتي. المشهد الأول ثقافى، وعلى المثقفين العرب أن يدركوا مدى مسئوليتهم إزاء أوطانهم والأمة العربية.

فى العقدين الأخيرين، سعى مثقفون، باسم الفكر، إلى استنساخ النموذج الأمريكى، أى أن يحلّ خبراء الجغرافيا السياسية محلّ المفكرين. لقد رأينا كيف اكتسح الساحة برنار هنرى ليفى، والأدوار التى لعبها فى يوغسلافيا، أفغانستان، العراق، سوريا، ليبيا.. كان ذلك ثقيلًا على التقاليد الثقافية الفرنسية.

رأى مثقفو فرنسا فى اللعبة عملية اختطاف لمنظومة القيم التى سارت على نهجها ومنهاجها الأوساط الثقافية الفرنسية، منذ ديكارت، فولتير إلى ما بعد سارتر. يحتاج الأمر إلى باحثين استقصائيين، للوقوف على كيفية حدوث تصحيح المسار. لتهدئة الحيرة أمام ما جرى، يمكن استنتاج أن جهاز المناعة الثقافية فى فرنسا، رفض الجسم الثقافى الدخيل الذى حاول البعض زرعه، فبرز الفيلسوف ميشيل أونفرى، وأصدر مجلة «الجبهة الشعبية»، ومركز محاورها: استعادة السيادة الفرنسية.

المشهد التصحيحى الآخر فى فرنسا، يمكن تلخيصه بعبارة: فرنسا تبحث عن ديجول. كيف حدث صعود نجم دومينيك دو فيلبان، رئيس الوزراء ووزير الخارجية الأسبق؟ ولد فى الرباط بالمغرب، شاعر ومثقف ديجولى له مواقف جيّدة إزاء العالم العربى، كاحتلال العراق ومأساة غزة. ما كانت المسألة تستحق الذكر أو تلفت الانتباه، لو انحصرت فى طموح دو فيلبان إلى قصر الإليزيه، وأن ماكرون لن تكون له دورة رئاسية ثالثة. ما يجب أن يلفت انتباه العالم العربى، هو أن مجموعة من التوجهات السياسية المختلفة، وفئات شتى من المفكرين والمثقفين، تنظر بتركيز خاص إلى الرياح المتصاعدة من الإمبراطورية فى السنوات الأربع التى انطلقت خيولها للتو.

لزوم ما يلزم: النتيجة الجوهرية: على المثقفين العرب أن يضعوا نصب العين، أن الثقافة والسياسة فى المشهدين غايتهما الحفاظ على السيادة.

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2025 ShoroukNews. All rights reserved