حتمية ضبط المصطلحات فى المشهد السياسى المأساوى
إبراهيم يسري
آخر تحديث:
الأحد 3 مارس 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
يكاد كل مصرى أن يبكى بدلا من الدموع دما خوفا بل هلعا لما يقودنا اليه صراع سياسى مجنون يعزف عن استخدام ادوات الصراع السياسى المطلوب والمشروع ليسقط رهينة لتوظيف الكراهية والحقد والمولوتوف والقتل وقطع الطرق ومنع الانتاج ووقف العمل بدوائر الدولة فى إنغلاق فكرى وأخلاقى بغيض يعلى المصالح الحزبية والشخصية على الصالح العام الذى يهدف اليه الصراع بين الفصائل السياسية. وإذا لم يكن الوقت قد فات فهذه صرخة العبد الضعيف أرجو أن يتردد صداها فى الأوساط السياسية لكى نوقف الدمار ونوظف الآليات السياسية والديموقراطية التى استقرت بعد قرنين من كفاح الشعوب ضد الدكتاتورية والطغيان.
وقبل ان أبدا أؤكد أننى لا أدافع عن شخص أو فصيل بل ان لى انتقادات أساسية على السلطة كتبتها فى الصحف وأشرت إليها فى حديثى مع رموز الحزب الحاكم وابرزها ضعف الكوادر وتفضيل أهل الثقة فى بعض المواقع، فى الوقت الذى أكرر وأؤكد فيه احترامى واعتزازى وصداقتى لرموز المعارضة من الوطنيين المناضلين الذين نفخر بتاريخهم النضالى قبل الثورة.
•••
ولنرجع الى تقويم المصطلحات التى تستخدم الآن فى الصراع السياسى ومن المهم قبل ذلك أن نصل الى سبوبة الأزمة ــ واسمحوا لى أن استخدم هذا المصطلح لأنه كان أداة لاتهامى بجريمة عقوبتها ٩سنوات وتحقيق بالنيابة العامة عقابا على إثارة فضيحة تصدير الغاز ــ سبوبة الأزمة ترجع الى أصلين الأول ان الرموز من جميع الفصائل عاشت ٦٠ أو ٣٠ عاما معزولة عن قواعدها الشعبية ولكنها كانت تناضل الطغيان باسم الشعب وعندما سقط الديكتاتور وجاءت آلية الصندوق لم تستطع أن تتخلص من استعلائها على الشعب ووضعه تحت وصايتها فالشعب جاهل لا يعرف مصلحته ويسهل شحنه فى أى اتجاه، ولدينا من الفقراء والأميين ٤٠٪ يسهل تطويع تصويتهم وعليه فلا يجب احترام رأى الشعب كما ترجمه الصندوق لأن النخب تعرف مصلحة الشعب أكثر منه، والأصل الثانى أن النخب والرموز المعارضة اكتشفت أن غيابها الطويل عن قواعدها الشعبية أسفر عن عجزها عن الحصول على الأغلبية المرجوة لأن الفصيل الحاكم بقى فى الميدان ٨٠ عاما يخالط الجماهير ويخدمها ــ نبلا أو بقصد استمالتها ــ وكان اعتقال وسجن وتعذيب رموزها وأفرادها مرفوضا فى الشارع الذى استمال لها. وهنا لم تجد رموز المعارضة بديلا عن هجر آليات الصراع الديمقراطى والتشكيك فى مصداقية الصندوق، وراحت بدلا من ذلك تستخدم الحشد فى الميادين والمظاهرات التى خرجت مرات عديدة عن سلميتها واستخدمت عنف القتل والسب والمولوتوف وقطع الطرق ووقف الخدمات وتدمير المنشئات العامة وأخيرا وبعد أن فشلت فى إسقاط النظام أو إجباره على تسليم السلطة التى اسندها الشعب له، راحت تدعو الآن للعصيان المدنى، وهذا أهم المصطلحات التى تستدعى الضبط، فمشروعية العصيان المدنى تنبع من انعدام الوسائل الديموقراطية لإزاحة الحاكم، وتجاهلت المعارضة ان لدينا انتخابات بعد عدة اشهر تستطيع ان تحتكم إليها وتنزل للشارع لكسب ما يمكن من الأصوات التى توصلها للأغلبية والسلطة. وكانت الحجة هنا ان الانتخابات سيجرى تزويرها وانه تم العبث بالدوائر رغم أننا مررنا بخمسة عمليات انتخابية نزيهة وان التزوير اصبح بعيدا عن الاكتمال بعد وضع قواعد الانتخابات الجديدة التى تحتم الفرز الشفاف بحضور كل المندوبين والمراقبين وإعلان النتيجة باللجان الفرعية بوثيقة رسمية تسلم صورتها لكل فصيل وان وزارة الداخلية لم تعد هى الجهة المشرفة على الانتخابات. وعليه تفقد الدعوة للعصيان المدنى سببها ومشروعيتها.
•••
المصطلح الثانى هو اتهام السلطة بالتكويش وارهابها وحرمان الأغلبية من اكتمال سيطرتها على الدولة بموجب التفويض الشعبى الذى حصلت عليه، ولو استخدم هذا المفهوم الغريب مع الحزب الحاكم فى دول مثل بريطانيا وفرنسا وغيرها من الديمقراطيات فسيحظى بمشروعية حكم الأغلبية فكل المناصب فى انجلترا مثلا يأخذها الحزب الحاكم ليس رغبة فى التكويش وإنما اعلاء لتفويض الشعب فلم نصادف وزيرا عماليا واحدا فى حكومة المحافظين والعكس صحيح. والغريب هنا ان الأغلبية تسامحا أو رهبة استجابت لهذا المفهوم فى تشكيل الحكومة ومؤسسة الرئاسة.
المصطلح الثالث الذى اخترعته الممارسة السياسية المصرية هو التوافق وهو إنكار تام وشامل للآليات الديمقراطية لأنه يكرس ديكتاتورية القلة والعجيب هنا ان فريق الأغلبية تقبل هذا المصطلح ووعد بالعمل به إرضاء للمعارضة دون جدوى.
المصطلح الرابع هو الحوار، فالاتصالات والتفاوض أمر ضرورى ومطلوب بين القوى السياسية خاصة عند عدم حصول أى فصيل على الأغلبية وهنا يتم تشكيل حكومات ائتلافية حسب وزن كل حزب وعدد المقاعد التى حصل عليها، ولكن التفاوض السياسى انقلب عندنا الى حوار وهو لا يعكس لغويا أبعاد الصراع، والحوار أو التفاوض يجرى على ضوء قوة كل فصيل مستندة الى عدد مقاعده فى البرلمان، اما عندنا فالحوار الذى يتضمن إرهابا للسلطة يتم بين فصيل منتخب وبين رموز معارضة لم يتضح وزنها السياسى ولكنها تستخدم الحشد والمظاهرات لتأكيد قدرتها على تعويق أنشطة السلطة وخدماتها، وهذه صياغة مبتكرة واختراع مصرى فريد الأمر الذى يزيد المشهد السياسى اشتعالا ويتجه الى تدمير البلاد.
يصاحب ذلك تسييس القضاء فإذا هو يسمو على إرادة الشعب وتصدر الأحكام باسمه فتترخص محكمة فى حل مجلس نيابى جاء بإرادة ٣٠ مليون ناخب وهو أمر لم يحدث فى أى من الديمقراطيات الراسخة، والدستور الذى أقره الشعب باطل، واعتبار تحقيق أحد أهداف الثورة وهو تنحية النائب العام وتعيين نائب عام جديد فى سلطة الرئيس قبل تعديل القواعد فى الدستور الجديد اعتداء سافرا على استقلال القضاء يجيش ضده نادى القضاة ويسانده دعم إعلامى قوى.
•••
كل ذلك يجرى والرئيس صامت لا يرد ولا يكاشف الشعب بدوافعه ولا يرد على اتهامه بالديكتاتورية والتعريض بشرعيته والتطاول على شخصه والاعتداء على مقره. وصاحب ذلك ضعف أداء الحكومة و قلة إنجازاتها، ولم يعد لدى المواطن أى وسيلة لمنع هذا الانتحار القومى إلا الاحتكام للضمير ولكن الصراع انكر علينا ذلك وانهالت الاتهامات وشن الإعلام هجوما حادا على دعوة الضمير. فهل نسير فى طابور الذبح كما نراها دون أى مقاومة؟!
محام ومحكم دولى