عن أصحاب السعادة وأهل البؤس
محمود محي الدين
آخر تحديث:
الأربعاء 3 أبريل 2024 - 7:15 م
بتوقيت القاهرة
صدر تقرير السعادة فى العالم فأثار اهتماما، كالمعتاد منذ بدء إطلاقه منذ أكثر من عشر سنوات، وجاء التنويه عن نسخته الجديدة لمناسبة يوم السعادة العالمى الذى يوافق 20 مارس من كل عام. يقوم التقرير بترتيب الدول وفقا لما حققته فى ستة مؤشرات، هى: الدخل، والصحة، والتمتع بحرية لاتخاذ قرارات أساسية فى شئون الحياة، ومدى الكرم المجتمعى، ووجود من يمكن الاعتماد عليهم من المحيطين عند الملمات. وقد صدر التقرير الأول فى عام 2013 وهى السنة ذاتها التى اعتمدت فيها الجمعية العامة للأمم المتحدة يوما سنويا للسعادة، تراجعت فيه مؤشرات مدى سعادة البشر وتحقيق الرفاه لهم كمعيار للحكم على نجاح الدول أو إخفاقها.
ويستند التقرير إلى مسوح ميدانية أجريت على 143 دولة يشترك فى إعداده خبراء ومراكز بحثية عدة مع بيت الاستشارات الإدارية «غالوب» المشهور بمسوحه الاستقصائية واستطلاعات الرأى. ويعتمد التقرير أسلوبا بسيطا للتعرف إلى أحوال البشر، وهى بسؤالهم مباشرة عن مدى سعادتهم بحياتهم على أن يصنّفوا هم أنفسهم إجابتهم من الصفر إذا كانوا يعيشون فى بؤس، إلى 10 إذا كان لديهم رضا كامل. بطبيعة الأمر يستتبع هذا أسئلة عن المؤسسات والعوامل والظروف التى تهيئ معيشة مرضية لأصحابها. وفى ترتيب العام الحالى تصدرت، باستثناءات معدودة، البلدان الأغنى الأعضاء فى منظمة التعاون الاقتصادى والتنمية المراتب الأربعين الأولى وفقا لمتوسطات الأعوام الثلاثة من 2021 حتى عام 2023. ومن البلدان العربية لم تظهر إلا ثلاثة منها فى الثلاثين دولة الأولى، وهى دولة الكويت والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. فى حين جاءت أفغانستان فى أدنى الترتيب العالمى وقبلها مباشرة جاءت لبنان، وليسوتو، وسيراليون والكونغو.
تضمن تقرير العام الماضى دراسة، بمناسبة مرور عشر سنوات على بدء صدوره، أجندة للسعادة للسنوات العشر المقبلة أعدها جون هليويل بمدرسة فانكوفر للاقتصاد بكندا، والاقتصادى البريطانى ريتشارد لايراد، الأستاذ بمدرسة لندن للاقتصاد؛ والاقتصادى الأمريكى ذائع الصيت جيفرى ساكس الأستاذ بجامعة كولومبيا ومدير مركزها للتنمية المستدامة. وفى هذه الأجندة وبتحليل مسوح الرأى وملايين الإجابات من خلالها تجلى دور العوامل الآتية فى تفسير الفروق بين السعادة وتراجع الرضا وصولا إلى حالات البؤس البائس فى قاع التصنيف الدولى: الصحة الجسمانية والنفسية؛ والعلاقات الإنسانية بين الشخص ومحيطه؛ والدخل والعمل؛ والقيم الشخصية؛ والدعم الاجتماعى؛ والحريات الشخصية؛ وانعدام الفساد؛ وفاعلية الحكومة. وتؤكد الدراسة أن عموم الناس صاروا بشكل متزايد يعتقدون أن مجمل ما يتحقق لهم من رفاه فى المعيشة والرضا عنها كغاية نهائية. كما أنهم يحكمون على تطور أوضاعهم بمنظور مستوى الرفاه الذى يتمتعون به، أو يفتقدونه، ومدى عدالة توزيعه بين أبناء الجيل الواحد وعبر الأجيال. ويستوجب هذا فى تقدير الدراسة أن تُربط أهداف التنمية المستدامة لعام 2030 بشكل أعمق مع غاية تحقيق السعادة.
وركز تقرير عام 2024 على البعد العمرى فوجد تباينات فى التصنيف. ففى حين احتلت ليتوانيا على سبيل المثال المركز التاسع عشر، ولكن عندما تم تصنيف سعادة من هم دون الثلاثين عاما فيها جاءت فى المركز الأول، بينما جاءت فى المركز الـ44 لمن تبلغ أعمارهم 60 عاما أو يزيد. وفى حين تحتل الولايات المتحدة المركز العاشر وفقا لتصنيف سعادة من هم فى الفئة العمرية التى تبلغ 60 عاما أو تزيد، تتراجع إلى المرتبة الـ62 لمن هم 30 عاما أو أقل. وهذا التراجع فى فئات الشباب فى الولايات المتحدة وبعض البلدان المتقدمة الأخرى يفسره معدو التقرير بتعرّض الشباب لأخبار ومعلومات سلبية وسيئة تكدر صفو حياتهم رغم عدم تراجع مؤشرات التعليم والعمل والدخل بالضرورة. بينما تجد حدة التباين أقل فى دولة كمصر، التى احتلت ترتيب 127 فى مؤشر السعادة، وكان ترتيب الأكبر عمرا فيها أفضل نسبيا عند ترتيب 124 ولمن هم أدنى من عمر 30 عاما استقر الترتيب عند 130.
وفى تقديرى، أن من العناصر المفسرة للسعادة هو مدى تحقق العدالة فى الفرص فعليا، وباعتبار أن هذا المؤشر يعتمد على المدركات للمتغيرات التى يقيسها فللانطباعات السائدة تأثير أيضا. كما يفسر التغيرات ما حل بالطبقة الوسطى فى دول عدة من صدمات متوالية يقيسها مؤشر آخر وهو عن البؤس. وصمم المؤشر الاقتصادى الأميركى أرثر أوكن ليقيس الضغوط الاقتصادية الراجعة لارتفاع البطالة المصاحبة بزيادة تكلفة المعيشة. ويتم حساب المؤشر بحاصل جمع معدل البطالة مع معدل التضخم السنوى، واستخدم هذا المؤشر بتوسع فى السبعينيات فى فترة تفاقم الركود التضخمى. فإذا اعتبر الاقتصاد أنه فى حالة جيدة إذا ما كان معدل البطالة يقترب من معدل البطالة الطبيعية وليكن 3 فى المائة ومعدل التضخم المستهدف عند 2 فى المائة مثلا، فإن الرقم المثالى لمؤشر البؤس هو 5 فى المائة، وأى زيادة فيه هى زيادة للبؤس فى المجتمع. وهذا المؤشر تعترضه أوجه قصور لعدم شموله متغيرات اقتصادية أخرى كالنمو وأثر التوقعات؛ وقد أدخلت عليه تعديلات كتلك التى أجراها الاقتصادى الأمريكى روبرت بارو حتى يقيس أداء رؤساء الولايات المتحدة. ويستحسن استخدام هذا المؤشر مع مجموعة أخرى من المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية والبشرية المفسرة لتطورات الأوضاع فى الدولة، وكذلك رضا عموم الناس.
فكما يؤكد أحد مؤلفى تقرير السعادة فى العالم، ريتشار لايارد، الهدف هو عالم يسعد فيه عموم الناس بمعيشتهم ويشعر فيه الفرد بالرضا وتحقيق ذاته. ولم يكن غريبا أن ينص على أن السعى للسعادة من حقوق الناس بعد التأكيد على الحق فى الحياة والحرية فى إعلان الاستقلال الأميركى فى عام 1776. ويذكرنا لايارد بما كتبه توماس جيفرسون الرئيس الثالث فى حكم الولايات المتحدة «العناية بحياة الناس وسعادتهم هى الغرض الأول والوحيد للحكومة الجيدة».