قراءة فى تاريخ الأحزاب السياسية فى مصر (2) مصر بين تجربتين
عماد أبو غازي
آخر تحديث:
الجمعة 3 مايو 2013 - 8:00 ص
بتوقيت القاهرة
هل اختفت التنظيمات السياسة فى مصر عقب هزيمة الثورة العرابية وخضوع مصر للاحتلال البريطانى فى خريف 1882؟
نستطيع القول إن التجربة المصرية الأولى فى تشكيل الأحزاب تكاد تكون قد انتهت بهزيمة الثورة العرابية واحتلال بريطانيا لمصر فى سبتمبر 1882.
نقول: «تكاد تكون»، لأنه عقب الاحتلال البريطانى مباشرة واصل بعض الوطنيين المصريين فى الخارج نضالهم ضد الاحتلال فى مصر من خلال صحافة معبرة عن التيار الوطنى، كان منهم الشيخ محمد عبده عضو الحزب الوطنى الذى شارك جمال الدين الأفغانى فى إصدار مجلة العروة الوثقى من الخارج، ويعقوب صنوع الذى نفاه الخديو إسماعيل فظل يصدر الصحف الوطنية من باريس حتى وفاته، وكل هؤلاء كانوا امتدادا للتجربة الحزبية القصيرة التى امتدت من 1879 إلى 1882.
كذلك تشكلت مجموعات للمقاومة السرية المسلحة، جماعات للانتقام مما حل بالوطن وبقادة ثورته الذين قدم العشرات منهم وفى مقدمتهم أعضاء الحزب الوطنى لمحاكم عسكرية ومخصوصة، أصدرت ضدهم أحكاما بالإعدام والنفى والسجن وتحديد الإقامة ومصادرة الأملاك والعزل من الوظيفة، لم تكن حركة مجموعات المقاومة السرية مؤثرة، لكنها كانت تعكس إدراك قطاع من المصريين، خاصة الشباب، لأهمية التنظيم، وكان من بين من قبض عليهم بتهمة الانتماء إلى هذه المجموعات الشاب سعد زغلول أحد مريدى الأفغانى ومحمد عبده، سعد الذى أصبح زعيما للثورة المصرية بعدها بخمسة وثلاثين عاما، والذى أسس أهم وأكبر حزب سياسى بمصر فى القرن العشرين.
تاريخ هذه المجموعات مازال فى معظمه مجهولا يحتاج إلى البحث والدراسة، وربما كانت الوثائق البريطانية ووثائق نظارة الداخلية ومجلس النظار فى مصر مصدرا لمعلومات عن هذه المنظمات، إذا جاز لنا وصفها بذلك، حقا لم تستمر هذه المنظمات طويلا.
هناك أيضا ظواهر أخرى تشير إلى وجود مجموعات منظمة دون أن تعلن عن تشكيل أحزاب سياسية بالمعنى المتعارف عليه، فعلى سبيل المثال تكشف قصة نجاح عبد الله النديم خطيب الثورة فى الهروب لمدة تسع سنوات عن شكل من أشكال الارتباط بين من تبقى حرا من رجال الحزب الوطنى، وتبين أقواله التى أدلى بها عقب القبض عليه عام 1891 رحلته مع الهرب وأسماء من ساعدوه ومولوا رحلته، ومنهم بعض كبار الملاك والأعيان والعمد والمشايخ والموظفين العموميين الذين شاركوا فى العمل الوطنى فى سبعينيات القرن التاسع عشر وثمانينياته، كانوا تيارا متواصلا كامنا تحت السطح، كذلك فإن تيار معارضة الاحتلال ظل يعمل بهدوء على مدى ما يقارب عقدين من الزمان، وكان المعارضون لسلطة الاحتلال يُسمون «الوطنيون» وأحيانا «الفرنسيون» لأنهم اتخاذوا من الفرنسية لغة للكتابة عندما يكتبون بلغة أجنبية كنوع من التحدى لسلطات الاحتلال، وبمجرد عودة النديم من منفاه بعد تولى عباس حلمى الثانى مقعد الخديوية وإصداره لمجلة الأستاذ تحلق حوله مجموعة من الشباب الوطنى وارتادوا مجلسه وكان من بينهم مصطفى كامل مؤسس الحزب الوطنى الثانى، وإذا كان النديم قد نُفى مرة أخرى بعيدا عن مصر، إلا أن الروح الوطنية تجددت مرة أخرى فى تسعينيات القرن التاسع عشر، ورغم أن المؤرخ الكبير عبد الرحمن الرافعى يلح فى كتاباته على فكرة تراجع الروح الوطنية تمام وسيادة سلوك التملق للمحتل البريطانى خلال السنوات الخمس عشرة التى أعقبت الاحتلال فى محاولة لإبراز التحول الذى حدث بظهور مصطفى كامل، إلا أن مصطفى كامل ما كان له أن يظهر على الساحة ويلعب الدور الذى لعبه فى البعث الوطنى دون وجود تيار فى الحياة السياسية يقاوم الاحتلال البريطانى، حتى ولو كان ذلك بالمقاومة السلبية، حقا إنه من المؤكد حتى الآن فى ضوء ما لدينا من وثائق أن تلك لم تعرف تشكيل أحزاب سياسية، لكنها شهدت نموا تدريجيا لتيار مقاوم لعب فيه بعض من شاركوا فى النضال الوطنى قبل الاحتلال دورا، وتبلور هذا التيار فيما بعد فى موجة ثانية من الأحزاب السياسية.
لقد عاد التيار الوطنى إلى الظهور بقوة مع مطلع القرن العشرين، من خلال مجموعة من الصحف الوطنية كانت اللواء التى أصدرها مصطفى كامل سنة 1900 فى صدارتها، بينما عادت الحياة الحزبية إلى مصر مرة أخرى مع عام 1907 الذى يطلق عليه المؤرخون عام الأحزاب، ففى ذلك العام تحولت الصحف الرئيسية الثلاث التى تعبر عن التيارات السياسية الرئيسية فى المجتمع اللواء والمؤيد والجريدة إلى أحزاب سياسية