تضليل صريح
بول كروجمان
آخر تحديث:
الأربعاء 3 يونيو 2009 - 9:05 م
بتوقيت القاهرة
لم يستغرق الأمر وقتا طويلا. فلم يمر أسبوعان منذ أن قدم مجمع الشركات العاملة فى الرعاية الطبية عرضها الكبير للعمل مع الرئيس أوباما فى إصلاح الرعاية الصحية وها هو التضليل فى سبيله إلى التحقق بالفعل. فقد أصبح واضحا الآن أن المسئولين فى شركات التأمين، برغم تظاهرهم بالاستعداد للتعاون عند لقائهم بالرئيس، يستعدون للعب نفس الدور التخريبى الذى أدوه فى المرة الأخيرة التى طرحت فيها الرعاية الصحية على الأجندة.
ويصبح السؤال هنا هو: هل سيتستر الرئيس أوباما على حقيقة ما يحدث، ويحاول المحافظة على صورة التعاون؟ أم أنه سيحترم التعهد الذى قدمه خلال الحملة الانتخابية، بمواصلة التصدى للمصالح الخاصة إذا وقفت فى طريق الإصلاح؟
والقصة حتى الآن كالتالى: فى 11 مايو دعا البيت الأبيض إلى مؤتمر صحفى للإعلان عن اتفاق لاعبين كبار فى مجال الرعاية الصحية من بينهم جمعية المستشفيات الأمريكية وجماعة الضغط «خطط التأمين الصحى الأمريكية» على دعم السعى الوطنى للسيطرة على أعباء الرعاية الصحية. ويمكن القول إن البيان الصادر عن الاجتماع كان تعبيرا عن أوباما الكلاسيكى فى دعوته إلى الابتعاد عن الحزبية الضيقة، وربما الأمل. يقول البيان: «لزمن طويل، حالت السياسة ومحاولة جمع النقاط دون معالجة بلدنا لهذه الأزمة المتفاقمة»، وأضاف «إن الشعب الأمريكى يتوق إلى التخلى عن أساليب واشنطن القديمة».
ولكن بعد ثلاثة أيام فقط أصرت جمعية المستشفيات على أنها لم تتعهد، فى الحقيقة، بما قال الرئيس إنها وعدت به بمعنى أنها لم تلتزم بهدف الإدارة الرامى إلى خفض معدلات زيادة أعباء الرعاية الصحية، التى تزيد بنسبة 1.5% سنويا. وقال رئيس جماعة الضغط الخاصة بالتأمينات إن الفكرة لن تؤدى إلى أكثر من «زيادة» المدخرات، أيا كان ما يعنيه ذلك.
وفى نفس الوقت، تنشغل صناعة التأمين بالضغط على الكونجرس لسد الطريق أمام واحد من أهم عناصر إصلاح الرعاية الصحية، أى الخيار العام بمعنى منح الأمريكيين حق شراء التأمين مباشرة من الحكومة وكذلك من شركات التأمين الخاصة. وهناك على الأقل عدد من شركات التأمين تعد العدة لحملة تشويه كبيرة.
وفى يوم الاثنين، أى بعد أسبوع فقط من التقاط صور المناسبة فى البيت الأبيض، أشارت واشنطن بوست إلى أن فيدرالية التأمين فى نورث كارولينا تعد لنشر سلسلة من الإعلانات تهاجم الخيار العام (الحكومة). ولابد أن التخطيط لهذه الحملة الإعلانية بدأ منذ فترة.
ولدى صحيفة «البوست» ماكيتات للإعلانات، وهى نسخة من إعلانات هارى ولويز المخزية التى ساهمت فى وأد محاولة إصلاح الرعاية الصحية فى 1993. وتظهر هذه الإعلانات الأمريكيين المرضى، محرومين من حق اختيار أطبائهم، أو مضطرين لانتظار دورهم شهورا، على يد موظفين حكوميين مجهولى الهوية. وهى صورة مفزعة ربما سيكون لها دلالة، إذا أتاح التأمين الصحى الخاص المتاح حاليا بالأساس عن طريق منظمات الحفاظ على الصحة HMOs لنا جميعا حرية اختيار الأطباء، دون انتظار الإجراءات الطبية. لكن خطتى الصحية ليست كذلك.
فهل خطتك كذلك؟ يقول صوت المعلق فى أحد الإعلانات «يمكننا العمل بصورة أفضل كثيرا من نظام الرعاية الصحية الذى تتولاه الحكومة». والرد الواضح عليه هو: إن كان هذا حقيقيا، لماذا تحرم الأمريكيين من فرصة رفض تأمينات الحكومة لو أنها بهذا القدر فعلا من السوء؟
ولأن مقترحات الإصلاح المطروحة حاليا على الطاولة لن تجبر الناس على القبول بخطة تأمينات تديرها الحكومة، فهى ستتيح للأمريكيين فى الغالب حرية الاشتراك فى مشروع كهذا من عدمه.
وهدف شركات التأمين هو حرمان الأمريكيين من هذا الخيار. وهى تخشى من تفضيل كثير من الناس مشروع الحكومة على التعامل مع شركات التأمين الخاصة التى تعتبر، فى الواقع، بعكس ما هى عليه فى إعلاناتها، أكثر بيروقراطية من أى وكالة حكومية، فهى تحمل عملاءها عادة من الحق فى اختيار أطبائهم، وترفض غالبا دفع تكاليف العلاج. وهو ما يعيدنا مرة أخرى إلى أوباما.
فأثناء حملة الديمقراطيين الانتخابية التمهيدية، قال أوباما إن آل كلينتون فشلوا فى محاولتهم لإصلاح نظام الرعاية الصحية فى عام 1993 لأنها لم تكن شاملة بالقدر الكافى. ووعد بجمع كل أصحاب المصالح، بما فيهم شركات التأمين، حول «مائدة كبيرة». وكان الغرض من دعوة 11 مايو، بالطبع، هو بيان خطة الطاولة الكبيرة هذه عمليا.
لكن ماذا لو أثبتت الجماعات المعنية وجودها على الطاولة الكبيرة، ثم تحولت إلى عائق أمام الإصلاح؟ وقد أكد أوباما حينها للناخبين أنه سيكون صارما: «إذا حاولت شركات التأمين والدواء عمل إعلانات مع هارى ولويز، فسأصنع إعلاناتى الخاصة كرئيس. سأذهب إلى التليفزيون وأقول إن «هارى ولويز يكذبان».
والسؤال الآن هو: هل كان أوباما يعنى ما قاله فعلا؟.
وقد قامت الشركات العاملة فى الرعاية الطبية بخداع الرئيس. فهى تقوم بتلميع صورتها عبر تأكيد الحضور على الطاولة الكبيرة والوعد بالتعاون، ثم سرعان ما تفعل كل ما فى وسعها للحيلولة دون أى تغيير حقيقى. وتراهن شركات التأمين وشركات الأدوية، فى حقيقة الأمر، على خشية الرئيس من التشهير بازدواجيتها.
والأمر متروك لأوباما لإثبات خطئها.
© 2009 New York Times News Service