2115.. زيارة السيدة المستشارة!
عمرو حمزاوي
آخر تحديث:
الأربعاء 3 يونيو 2015 - 9:50 ص
بتوقيت القاهرة
السياق ــ فى عام 2115، وبعد تحولات عالمية كبرى، كانت تلك التى سميت الولايات المتحدة الأمريكية قد انهارت، وذلك الذى كان يشار إليه كالاتحاد الأوروبى قد تفتت. وتهاوت القدرات العلمية والاقتصادية والتجارية لشعوب الغرب، وتقوضت ديمقراطيتها، وزج بها إلى دوائر الاستبداد والفقر والتخلف والتطرف والإرهاب ومعاناة المواطن من انتهاكات الحقوق والحريات ومن كوارث التهجير واللجوء وطرق أبواب الهجرة غير الشرعية. بينما نجحت شعوب الشرق الأوسط، العرب والإيرانيون والأتراك والأكراد والبربر، فى تجاوز حروبهم الدموية وصراعاتهم التاريخية المريرة، وفى التخلص من الاستبداد الذى جثم طويلا وأضاع لقرون فرص التقدم العلمى والفكرى وأهدر إمكانيات التطور الاقتصادى والتنمية المستدامة وبناء الدول الوطنية العادلة ومجتمعات الحرية والسلم الأهلى والتوافق وفتح أبواب الشرق الأوسط واسعة للتدخل الأجنبى تارة باستعمار تقليدى وأخرى بالتمكين للاحتلال العنصرى والاستيطانى ﻷرض فلسطين وثالثة بتبعية اقتصادية وقواعد عسكرية أجنبية. وتطورت تدريجيا بين العرب والإيرانيين والأتراك والأكراد والبربر منظومة فعالة للتعاون وللأمن الإقليمى نجحت فى إحلال السلم والاستقرار والرخاء بعد قرون الحروب والصراعات والتخلف، ومؤسسات للاندماج الاقتصادى والسياسى والتجارى والمالى تحافظ على بقاء الحكومات الديمقراطية للدول الوطنية فى الشرق الأوسط وتنسق أفعالها وممارساتها على نحو يتسق فى المجمل مع مبادئ السوق الحر وحقوق الإنسان ويدفعها للتضامن فى ظروف الأزمات لمنع الانجرار إلى الماضى الأليم ويمنحها وزنا عالميا هو الأهم فى 2115. وتحولت الجزائر ومصر والعراق (الموحد مجددا بعد عقود من الحروب الأهلية الدامية ومحاولات الانفصال) وتركيا وإيران إلى مراكز ﻹدارة شئون العالم الاقتصادية والسياسية والتجارية.
الموضوع ــ بعد تفتت ذلك الذى كان يشار إليه كالاتحاد الأوروبى، بقيت فى وسط القارة ألمانيا كدولة موحدة ولم تتمكن منها لا الحروب الأهلية ولا دينامية التحلل التى أصابت معظم الدول الأوروبية الأخرى كفرنسا وإسبانيا السابقتين أو كبريطانيا التى تعانى من حركات انفصالية متصاعدة. ولذلك، وعلى الرغم من غياب الديمقراطية وتراكم المظالم وانتهاكات الحقوق والحريات وشيوع الممارسات القمعية ضد المواطنين، احتفظت ألمانيا بأهميتها العالمية كدولة موحدة فى قارة منقسمة تهدد أوضاعها جوارها المباشر فى الشرق الأوسط، ومن ثم اهتمت حكومات الدول الشرق أوسطية المهمة بالحوار مع الحكومة الألمانية التى كانت تترأسها سيدة، هى المستشارة سابينه ميركر ــ ولم يكن للديمقراطية صلة بحكم السيدة المستشارة، بل كان اعتياد الألمان منذ العصور الخوالى لديمقراطيتهم وتقدمهم بين النصف الثانى من القرن العشرين والنصف الأول من القرن الحادى والعشرين على أن تتصدر سيدة حكومتهم ومؤسسات دولتهم. ولدعم الحوار، دعت الحكومة المصرية الديمقراطية المستشارة ميركر لزيارة القاهرة وواجهت فى سبيل ذلك الكثير من ضغوط الرأى العام الذى كانت بعض قطاعاته تشير إلى تراكم المظالم والانتهاكات فى ألمانيا، بينما تدفع النخب السياسية والحزبية إما بضرورة الحوار ﻷسباب أمنية واقتصادية أو إلى دور الحوار الهادئ فى تشجيع ميركر على الحد من الانتهاكات أو تقرر بصراحة تامة أن المصلحة الوطنية المصرية تقتضى التعامل مع الكثير من الحكام غير الديمقراطيين ودعوتهم إلى القاهرة كما حدث من قبل مع إمبراطور الصين (تأسست الإمبراطورية الصينية فى 2099، وضمت عسكريا مساحات واسعة من القارة الآسيوية، واحتفظت على الرغم من التحولات الجذرية بحزبها الشيوعى الحاكم وباقتصاد السوق الحر) ومع حاكم روسيا الأبدى فلاديميد بوتينفيف (وهو يجمع منذ أربعة عقود بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة والأهم رئاسة أجهزة المخابرات المختلفة التى تتولى تصفية المعارضين وقمع المجتمع المدنى وتمويل الحروب الأهلية فى أوروبا المقسمة).
قبيل الزيارة ــ أبلغ مكتب المستشارة ميركر الحكومة المصرية، بعد توافق الطرفين على أجندة الزيارة وقضاياها المتنوعة من الأمن الإقليمى ومواجهة الإرهاب والحد من الهجرة الأوروبية غير الشرعية والاستثمارات المصرية فى ألمانيا والقليل من الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان فى ألمانيا والبلدان الأوروبية الأخرى، أن المستشارة سيرافقها وفد شعبى مؤيد لها وأن الوفد يريد أن يلتقى مع وفود شعبية مصرية. أفاد الطرف المصرى بأن مصر بها أحزاب سياسية ونقابات عمالية ومهنية ومجتمع مدنى وإعلام مستقل، وأن وفد المؤيدين الألمانى يستطيع أن يلتقى مع بعض هذه الجهات غير أن عليه توقع الكثير من النقد لغياب الديمقراطية وللانتهاكات.
أجاب الطرف الألمانى بأن وفد المؤيدين لا يثق فى الأحزاب السياسية ولا يحب النقابات وعداءها ﻷصحاب الأعمال ويعتقد أن المجتمع المدنى يتآمر فقط وفى كل مكان وأن الإعلام مستقل لا احتياج إليه والأهم هو حشد الناس لتأييد الحكام بينما المؤامرات تتوالى والمواجهة مع الإرهاب تدور. اقترح الطرف المصرى، دون كثير تعليق، أن يزور وفد المؤيدين الألمانى بعض الجامعات والمراكز الفكرية والثقافية للتعرف على التجربة الديمقراطية المصرية، فرفض مكتب المستشارة ميركر مجددا متعللا بعدم إتقان المؤيدين للغة العربية. توافق الطرفان، أخيرا، على أن يكون دور المؤيدين هو التلويح بالأعلام الألمانية والمصرية فى بعض شوارع القاهرة لكى يتمكن الإعلام الألمانى من تصويرهم والترويج لتوحد الجماهير الألمانية مع المصرية وحبها لقياداتها ــ هكذا دون حضور لجماهير مصرية لانشغال المصريين بالعمل وﻷن علاقتهم بحكومتهم تتحدد فى صندوق الانتخابات.
الزيارة ــ جاءت ناجحة بمعايير الطرفين دون أوهام الدفاع عن الديمقراطية. حصل الطرف المصرى بواقعية على بعض مما أراد بشأن ملفات الأمن فى أوروبا والهجرة غير الشرعية وفرص الاستثمار فى ألمانيا، ولم يحصل على شىء فى مجالات الحقوق والحريات وسيادة القانون. حصل الطرف الألمانى على بعض مما أراد بشأن المساعدات الأمنية والاستثمارات المصرية، ونجح فى احتواء النقد المصرى غير العنيف للمظالم وللانتهاكات، ونقلت مشاهد الملوحين بالأعلام ومرددى هتافات «ألمانيا فوق الجميع» فى القاهرة إلى الجماهير الألمانية فى الوطن.