المؤتمرات العلمية
محمد زهران
آخر تحديث:
السبت 3 يونيو 2017 - 9:40 م
بتوقيت القاهرة
عدت لتوي من مؤتمر علمي في تخصصي في ولاية فلوريدا وفي أثناء عودتي أخذت أفكر في المؤتمرات العلمية في بلادنا وفي الخارج وأهميتها بالنسبة للبحث العلمي عامة وللطلبة خاصة ووجدت أنه من الأجدر النظر للمؤتمرات العلمية من أربعة أوجه: أهميتها العلمية وأهميتها بالنسبة للباحثين والتمويل وأهميتها بالنسبة للصناعة.
من الناحية العلمية فإن المؤتمر يختلف إختلافاً كبيراً بحسب التخصص، في أغلب التخصصات يعتبر النشر في المجلات العلمية أقوى من النشر في المؤتمرات ولكن في بعض التخصصات (مثل تخصصي) فإن بعض المؤتمرات أقوى كثيراً من المجلات العلمية، لذلك فكل حسب تخصصه ولكن في كل الأحوال فإن المؤتمر العلمي هو وسيلة لعرض الأبحاث والأفكار العلمية والحصول على آراء الباحثين الآخرين بالإضافة إلى التعرف على أفكار الآخرين مما يساعدك على تحسين أفكارك وتكوين أفكار جديدة.
هناك سؤال مهم: من يتحكم في الأبحاث التي تُقبل في المؤتمرات؟ في تخصصي حيث المؤتمرات أقوى من المجلات تكون هناك لجنة تحكيم من عدد من الباحثين المعروفين في المجال من الجامعات ومعامل الأبحاث وكبرى الشركات يختارهم رئيس لجنة التحكيم استناداً إلى معرفته الشخصية بهم ومعرفته بالباحثين المتمكنين في التخصص (راجع مقالنا عن شبكة المعارف في الحياة الأكاديمية) ... ولكن التحكيم هنا تحكمه عوامل صارمة (مازلت أتحدث عن المؤتمرات القوية وما أراه في تخصصي): أولاً لا يعرف المحكم أسماء مؤلفي البحث ولا يعرف المؤلفون أسماء المحكمين ويسمى ذلك (double blind review) أو التحكيم مزدوج العمى (وإن كنت أفضل كلمة التعتيم بدلاً من العمى فالترجمة الحرفية ليست الأفضل في كل الأحوال)، هناك أشخاص لا يحق لهم تحكيم بحثك (كما شرحنا سريعاً في مقال سابق) مثل مشرفك في الماجستير أو الدكتوراه (مدى الحياة) وطلبتك الذين حصلوا على ماجستير أو دكتوراه معك (مدى الحياة) وأي باحث شاركك في بحث علمي في العدة سنوات سابقة (4 أو 5 سنوات حسب المؤتمر) والباحثين من نفس جامعتك التي تعمل فيها (أو شركتك أو معملك) أو أي أفراد من عائلتك (إن كانوا يعملون في نفس المجال) ... إذا كنت في لجنة التحكيم ولك بحث فيجب أن تغادر الغرفة حين تبدأ مناقشة بحثك، وقبل أن تجتمع اللجنة لمناقشة البحث يجب أن يحكمه من 3 إلى 6 محكمين سواء من لجنة التحكيم أو محكمين خارجيين ثم تجتمع اللجنة لمناقشة التحكيم لكل بحث ثم إتخاذ القرار ... لاحظ أنني أتكلم عن مؤتمرات قوية جداً تكون نسبة القبول فيها أقل من 25% وقد كنت في لجان تحكيم وكنت محكماً خارجياً وأيضاً باحثاً يرسل أبحاثه للمؤتمرات وأدرك تماماً مدى التعب والجهد الذي يبذله المحكمون ومدى فائدة التحكيم لك كباحث حين تقرأ آراء 3-6 باحثين في عملك ... في بلادنا المؤتمرات ليست بهذه القوة للأسف ونسبة القبول عالية جداً لأن في أحيان كثيرة تكون هذه المؤتمرات فقط من أجل ترقية الباحثين.
للمؤتمرات أهمية كبيرة للباحثين فبالإضافة إلى سماع أفكار الآخرين وقراءة آراء المحكمين في أفكارك فإن حضور المؤتمرات يجعلك تقابل باحثين آخرين وتتناقشوا في أفكار جديدة وقد ينتج عن ذلك تعاون بينكم وبحث جديد، قد تجده غريباً ولكن أهم النقاشات في المؤتمرات تحدث خارج قاعات العرض، يجتمع الباحثون خارج القاعات ويتحدثون حديثاً حراً حول الأبحاث وهناك مثل يقال عن تلك الإجتماعات المفتوحة: اجتماع النجوم معاً حتى تحدث شرارة وهذه الشرارة هي أفكار بحثية جديدة، حضور إلقاء الأبحاث ليس أهم شيء في المؤتمرات، أنت تستطيع أن تحصل على الأبحاث التي ستنشر في المؤتمر قبل ميعاد المؤتمر وتستطيع قراءتها والتواصل مع مؤلفيها قبل المؤتمر إن كان عندك أسئلة ولكن الحديث خارج القاعات هو الأهم وللأسف أيضاً قلما يحدث في المؤتمرات في بلادنا فقد حضرت منها الكثير وأجد أن الحديث في المؤتمرات يكون غالباً عن الإداريات أو كلام عام وليس أبحاثاً والغريب أن في أوقات كثير يكون الحضور خارج قاعات عرض الأبحاث أيضاً ولكن لا يتكلمون في العلم مما يعطي الإنطباع أن الهذف هو نشر بحث من أجل الترقية وليس دفعاً لعجلة العلم ... قد يكون هناك استثناءات ولكني أتكلم عن الأغلب الأعم ... هناك في كل المؤتمرات مايسمى (keynote speaker) أو المتحدث الرئيسي وهي محاضرة طويلة يلقيها باخث كبير معروف، هذه يجب أن يحضرها الباحثون وخاصة الشباب فبغض النظر عن المحتوى العلمي (وهو في حد ذاته يكون قوياً) فإنه سيرون باحث متمرس على كيفية إلقاء المحتوى العلمي ببراعة وهذه مهارة يجب أن يتعلمها الباحثون.
تمويل المؤتمرات العلمية في الخارج يكون أغلبه من الشركات الكبيرة وليست الحكومات أو الجامعات لذلك قلما تجد تلك اللافتات التي نراها في مؤتمراتنا مثل "هذا المؤتمر تعت رعاية ..." وتجد قائمة من الإداريين قد لا تكون لهم علاقة بتخصص المؤتمر، الشركات تمول المؤتمرات لعدة أسباب: أولاً كجزء من ميزانية تضعها كل شركة للتنمية المجتمعية وثانياً كنوع من الدعاية وثالثاً للتعرف على أهم الأبحاث التي تهم هذه الشركة في المؤتمر (فكل شركة تمول المؤتمرات التي تقع تحت نطاق تخصصها) وأخيراً لترى صغار الباحثين الذين يظهرون نبوغاً وتحاول استقطابهم ومن هنا نرى أيضاً أهمية المؤتمرات للصناعة ... أنا أعلم أن أغلب الشركات في بلادنا لا تقوم بأبحاث إلا قليلاً ولكن بعض من الأسباب الأربعة التي ذكرناها قد تكون دافعاً لهم لتمويل بعض المؤتمرات العلمية ... لنأمل.
هل أعيش لأرى مؤتمراً علمياً في بلادنا بقوة المؤتمرات الخارجية؟ ... أتمنى من كل قلبي.