لا سيطرة أمريكية على القرن الواحد والعشرين
سمير كرم
آخر تحديث:
الجمعة 3 يوليه 2015 - 10:55 ص
بتوقيت القاهرة
سيطرت أمريكا على القرن العشرين سيطرة كاملة من جميع النواحى التكنولوجية والصناعية والثقافية.
وقد أفلح الكتاب والمؤلفون فى جميع هذه النواحى فى اثبات حقيقة هذه السيطرة وتقديم البراهين عليها. وكان المؤلفون الأمريكيون الأكثر إقداما على البرهنة على هذه السيطرة الأمريكية.
والآن وقد بدأ القرن الواحد والعشرون منذ خمسة عشر عاما وبقى منه خمسة وثمانون عاما فإن الفترة التى انقضت منه تعطى دلالات كافية على أن هذا القرن الجديد يقدم أدلة كافية على أنه قرن غير أمريكى. يقول بعض المؤلفين إن القرن الواحد والعشرين قرن صينى. ذلك أن الصين برهنت منذ نهاية القرن الماضى على أن تقدمها يسبق التقدم الأمريكى ويتفوق عليه ويقدم أدلة كافية على أن الصين تعتزم بقوة وتقدم تكنولوجى وعسكرى وصناعى وثقافى أن تتقدم وتقدم كل الأدلة على أنها دولة القرن الواحد والعشرين من نواح كثيرة، حتى وإن لم نقل من كل النواحى.
وكما كانت أمريكا تواجه منافسة فى القرن العشرين – من جانب روسيا وفى أواخر القرن العشرين من جانب الصين وأيضا من جانب أوروبا – فإن الصين تواجه منافسة بشكل أو بآخر وبدرجة أو بأخرى من دول أوروبا وأمريكا اللاتينية. بل يبدو أن أمريكا بطلة التفوق فى القرن العشرين ستستمر فى منافسة الصين فى القرن الواحد والعشرين. ويمكن التأكيد بأن المنافسة على التفوق – خاصة العلمى والتكنولوجى – ستكون حية وقوية أكثر مما كانت فى القرن العشرين، وتشير دلائل كثيرة إلى أن اللغة كانت تعمل لصالح أمريكا فى القرن العشرين بينما لن تكون كذلك مع الصين فى القرن الواحد والعشرين. ومن المؤكد من الآن أن الصين ستبحث عن مخرج من مأزق اللغة بشكل أو بآخر فى القرن الجديد.
***
وقد أطلق عدد من الكتاب الأمريكيين والأوروبيين على ظاهرة التغير فى السيطرة التكنولوجية والثقافية فى القرن الواحد والعشرين صفة التحرر من التفوق الأمريكى أو التحرر من الهيمنة الأمريكية. بل لقد ظهرت عبارة التحرر من أمريكا فى المجالات الديمقراطية والاقتصادية والثقافية كتعبير صريح عن التغير الآتى فى هذه المجالات. وقد أصبح من الواضح أن مصر تسعى من الآن – أى من هذا الوقت المبكر من القرن الواحد والعشرين – إلى أن تكون لها مكانة فى هذه المنافسة فى اطار التحرر من أمريكا والاقتراب إلى الصين. ولا شك أن مصر ليست وحدها فى هذا المجال للمنافسة، بل إن دولا فى أمريكا اللاتينية، وخاصة البرازيل والأرجنتين، تسعى لتحقيق درجة عالية من التفوق تمكنها من المنافسة العالمية فى مواجهة الصين فى القرن الجديد. وفى هذا الإطار ظهرت تساؤلات عن المعنى الجديد للمنافسة على التفوق فى مرحلة تولى الصين مركز التقدم فى القرن الجديد. وظهر – فى هذا الإطار نفسه – نوع من الشعور، إذا جاز استخدام هذا التعبير، بأن القوة الدولية فى الوقت الحاضر من بداية القرن الواحد والعشرين هى قوى اقتصادية أكثر منها قوى ديمقراطية. وقد برهن الكتاب الأمريكيون الذين يظهرون اهتماما قويا باستمرار المنافسة الأمريكية حتى فى القرن الواحد والعشرين على أنهم أكثر حماسا لهذه الفكرة من غيرهم.
والأمر الذى لا شك فيه فى الوقت الحاضر هو أن مواجهة الهيمنة الأمريكية ستبقى قائمة وضرورية على الأقل طوال النصف الأول من القرن الواحد والعشرين. ذلك أن أمريكا تملك من مصادر القوة والثراء والتقدم التكنولوجى والثقافى ما يسمح لها بالاستمرار فى المنافسة. إن أمريكا تملك قوى المنافسة ما تستطيع به أن تستمر فى مقاومة التفوق الصينى على الأقل لفترة الثلث الأول من القرن الحالى، إذا لم يكن لفترة النصف الأول من هذا القرن. والأمر الذى لا شك فيه الآن هو أن الديمقراطية الأمريكية لم تعد إحدى مسلمات القرن الواحد والعشرين بسيطرة ثقافة النقد والهجوم على الثقافة الأمريكية باعتبارها ثقافة الهيمنة الأمريكية من النواحى الاقتصادية والعلمية.
لقد ظهرت فى هذا الإطار تعبيرات ناقدة قوية نسبت إلى أمريكا من القوة الاقتصادية ما اعتبر مصدرا للتفوق فى المجالات الأخرى التكنولوجية والثقافية. لقد كانت إحدى المسلمات التى ترددت فى ذلك المجال أن هيمنة أمريكا العسكرية والاقتصادية هى التى أورثت أمريكا والأمريكيين ميزة التفوق الثقافى بدون وجه حق... وذلك فضلا عن اعتبار الديمقراطية الأمريكية خدعة. وقد ساد فى الآونة الأخيرة اتهام الثقافة الأمريكية بأنها استخدمت التفوق الاقتصادى كخدعة للزعم بالتفوق الثقافى. ويقال الآن إن الأوان قد آن مع تراجع التفوق الامريكى الاقتصادى فى مواجهة التفوق الصينى لكى يظهر التفوق الاقتصادى متراجعا، بل أن يبدو هذا التفوق خدعة طالت لفترة القرن العشرين، فترة التفوق الاقتصادى الامريكى.
***
ولقد وجهت انتقادات مريرة – حتى داخل المجتمع الأمريكى نفسه – بأنه على الرغم من ثرائه المشهود لم يوفر شبكة أمان لمن يفقدون وظائفهم ولا يقدم الرعاية الصحية لمن لا يقدرون عليها، ولا يقدم الدعم الضرورى للفقراء أو المتقاعدين، فضلا عن أن نسبة انتشار الجريمة فى المجتمع الأمريكى تصل إلى أعلى المستويات فى العالم. وقد أشار الكاتب الأمريكى روبرت كرف فى كتاب له بعنوان «التحرر من أمريكا» إلى أنه «يمكن للدول النامية أن تتعلم العديد من الدروس من الصين أو سنغافورة أو تايوان أو كوريا أكثر مما تتعلم من الولايات المتحدة الأمريكية، والتى لا تعلم ما هو أكثر من العادات السيئة مثل الفساد والجشع وليس قيم الدراسة والعمل الشاق... إن نمور الشرق الأقصى تحتل أعلى مراتب الفضيلة مقارنة بالعادات السيئة للأمريكيي». بل إن المؤلف نفسه فى الكتاب ذاته يذهب إلى أن السياسة الخارجية الأمريكية هى مزيج من السذاجة وعدم الكفاءة والادعاء والتناقضات التى لا تفسير لها، مما يثير ذهول من يتفحصها... وما كان أى من السابق ذكره ليحدث لولا وجود الثقة بالنفس والغطرسة التى تفوق الحد والتى تتعامل بها أمريكا مع باقى شعوب العالم».
والأمر الذى لا شك فيه هو أن العالم سيشهد – بالإضافة إلى الزعامة غير الأمريكية – نوعا جديدا من العلاقات عندما تصبح الصين الدولة الأولى فى العالم خلال القرن الحالى. فإن الصين أظهرت أنها تتعلم من تجارب الشعوب، فيما كانت أمريكا تركز كل جهودها على تأكيد أهمية الدور الأمريكى فى العالم.
إن العالم مقبل نحو زعامة من نوع مختلف عن تلك التى سادت خلال القرن الماضى.