القراءة العلمية
محمد زهران
آخر تحديث:
الأحد 3 يوليه 2016 - 11:00 ص
بتوقيت القاهرة
سنعود إن شاء الله في مقالات مستقبلية للكلام عن العلماء المصريين الذين لا نعرف عنهم شيئا، أو نعرف أقل القليل أو نعرف معلومات مغلوطة، وعلى سبيل المثال لا الحصر عندما كنت أتصفح ما يكتب عن علمائنا في صفحات «فيسبوك»، وجدت الجملة الآتية عن عالمنا العظيم الدكتور علي مصطفى مشرفة: "الدكتور علي مصطفى مشرفة أحد السبعة الذين عرفوا سر الذرة على مستوى العالم والذي وضع مع أينشتين النظرية النسبية"، طبعا الدكتور مشرفة غني عن التعريف ويعتبر من أعظم من أنجبتهم مصر في المجالات العلمية وله الكثير من الإنجازات التي كان ينبغي ذكرها بدلا من هذه الجملة السابقة، فما الخطأ في هذه الجملة؟ أولا من أين أتى الكاتب أن من يعرفوا سر الذرة هم سبعة فقط؟ إحدى أشهر الصور على الإنترنت هي من مؤتمر سولفاي (Solvay Conference) عام 1927 وتضم 29 عالما، وكان هذا المؤتمر يناقش آخر ما توصل إليه العلم في مجال أبحاث الذرة و17 من الـ29 عالما في هذا المؤتمر حصلوا على جائزة نوبل، هذه الصورة الشهيرة كانت تضم أينشتاين وماري كوري ونيل بور وشرودنجر وهايزنبرج والكثير من أقطاب علماء الفيزياء في ذلك الوقت، هذا معناه أن من يعرفون "سر" الذرة أكثر قليلا من سبعة، ثم ما المقصود من عبارة "سر الذرة"؟ نأتي الآن إلى معلومة أن الدكتور مشرفة وضع مع أينشتاين النظرية النسبية، ولد الدكتور مشرفة في العام 1898، وأينشاتين نشر بحثه عن النسبية الخاصة عام 1905، أي أن الدكتور مشرفة كان في السابعة من عمره! ثم نشر أينشتاين بحثه عن النسبية العامة سنة 1915! يوجد الكثير من الإنجازات للدكتور مشرفة التي يمكن أن نتباهى بها (وسنتحدث في المستقبل عن تلك الإنجازات إن شاء الله) بدلا من استخدام معلومات مغلوطة، وما قاله أينشتاين نفسه حين علم بوفاة الدكتور مشرفة يدل بجلاء على علو منزلة الكتور علي مصطفى مشرفة بين العلماء.
كانت هذه مقدمة لابد منها لبيان أهمية التحقق من المعلومات، بمعنى آخر أهمية القراءة ومن مصادر موثوق منها. هناك الآلاف من المقالات والكتب التي تتكلم عن القراءة ولكننى أتكلم هنا عن القراءة في المجالات العلمية لغير المتخصصين، فقد يقول قائل مثلا: أنا أعمل في القانون فلماذا أقرأ عن العلوم
والاكتشافات العلمية؟ أو أنا أعمل في مجال التجارة فلماذا أقرأ عن الفيزياء أو الكيمياء أو الكمبيوتر؟ هي أسئلة في محلها طبعا ولكن قبل أن أعطيك الإجابة دعني أعطيك أمثلة من الحياة المعاصرة أولا.
أعتقد أن الكثيرين منكم قد سمعوا عن وارين بافيت (Warren Buffet) الرئيس والمدير التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي (Berkshire Hathaway) أكبر شركة استثمار في العالم. ويُعتبر وارين بافيت من أعظم المستثمرين في العالم باعتراف الكثيرين، من حين لآخر ينشر وارين بافيت قائمة بالكتب التي ينصح بقراءتها، إذا نظرنا إلى هذه القائمة سنجد أسماء لكتب عن مستقبل السلاح النووي (!!) وعلم النفس وعلوم الإدارة بالإضافة طبعا لكتب عن الاقتصاد والاستثمار.
كلنا نعرف بيل جيتس المدير التنفيذي والرئيس السابق لشركة مايكروسوفت، هو أيضا يرشح من حين لآخر بعض الكتب التي ينصح بقرائتها، سنجد في قائمة بيل جيتس كتب في السير الذاتية وفي التغير المناخى (!) والصحة العامة (!) والعلوم المبسطة (اسم هذا الكتاب:Thing Explainer: Complicated Stuff in Simple Words)!
لماذا يقرأ هؤلاء في تخصصات علمية بعيدة عن مجال عملهم؟ قد نظن أنه لكسر الملل، ولكن لكي تكسر الملل يمكنك أن تقرأ رواية مثلا وليس كتابا عن مستقبل العالم النووي أو التغير مناخي!
القراءة في المجالات العلمية تعلمنا الكثير: أولا تعلمنا الدقة في الحكم على الأشياء وهذا مفيد في كل مجال (رجاء قراءة بداية هذا المقال لنرى مثالا صغيرا عن الحكم على ما نقرأ حتى وإن كان ما نقرأ يحمل رأيا نحبه!)، ثانيا القراءة العلمية تعلمنا دائما الاعتماد على المصادر وليس الأهواء، ثالثا عندما تقرأ عن علوم مختلفة وتحاول الربط بينها ستنمي مهارة التفكير المنظم وقد ترى تأثير أشياء كنت تظنها بعيدة جدا عن مجال عملك وكيف تؤثر على عملك، مثلا في مجال تصميم أجهزة الكمبيوتر هناك تصميمات وصلنا إليها لأسباب اقتصادية وليست علمية بالكلية.
العلم يدخل في كل المجالات وليس أجمل من كتاب "العلم والحياة" للدكتور علي مصطفى مشرفة للدلالة على ذلك عندما ننظر إلى عناوين فصوله: "العلم والسياسة" و"العلم والصناعة" و"العلم والمال" و"العلم والأخلاق".. إلخ.
فأرجو منك أن تضع ولو كتابا علميا واحدا في قائمة قراءاتك في كل عام، ولا تخف فالكتب العلمية المكتوبة للعامة ليست جافة ومملة بل على العكس مسلية للغاية!