الحقيقة المشوشة

بول كروجمان
بول كروجمان

آخر تحديث: الإثنين 3 أغسطس 2009 - 10:25 ص بتوقيت القاهرة

 يبدو أن مصير الإصلاح فى مجال الرعاية الصحية قد أصبح الآن فى أيدى الديمقراطيين المحافظين نسبيا وتحديدا أعضاء تحالف الكلاب الزرقاء الذى تأسس عام 1995. وقد تجد نفسك مدفوعا إلى القول بأن على الرئيس أوباما أن يجيب هؤلاء إلى طلبهم.

لكنه لا يستطيع ذلك لأن تحالف الكلاب الزرقاء لا يملك طرحا عقلانيا.

وكى ندرك حجم المشكلة، يجب علينا أن نقف على الخطوط العريضة لمشروع الرعاية الصحية المقترح (يلاحظ أن جميع الخطط المطروحة تتفق فى جوانبها الرئيسية). وسوف يرتكز الإصلاح حال حدوثه على أربع دعائم أساسية هى التنظيم والإلزام والدعم والمنافسة.

وأقصد بالتنظيم فرض قواعد على المستوى القومى تمنع شركات التأمين من حرمان الفرد من مظلة التأمين استنادا إلى تاريخه الصحى، أو إسقاط عضويته حال مرضه. وسوف يمنع ذلك شركات التأمين من التلاعب بنظام التأمين عن طريق قصر التغطية على الأصحاء.

من ناحية أخرى، فسوف يمنع مشروع الإصلاح الصحى الأفراد من التلاعب بالنظام. ذلك أنه سيكون على الأمريكيين الاشتراك فى التأمين الصحى حتى إذا كانوا أصحاء، بدلا من اللجوء إليه وقت المرض فقط. وسوف يكون على جميع الشركات باستثناء الشركات الصغيرة جدا أن تؤمن صحيا على العاملين لديها، أو تدفع رسوما للمساعدة فى تغطية تكلفة دعم التأمين وسوف يجعل هذا الدعم العائلات الأمريكية من ذوات الدخل المنخفض قادرة على تحمل تكلفة التأمين.

وأخيرا، سوف يتيح المشروع خيار التأمين الصحى الحكومى، حيث ستوضع خطة للتأمين الصحى الحكومى الذى سوف ينافس الشركات الخاصة فى هذا المجال، وهو ما سيسهم بدوره فى انخفاض الأسعار.

وخلال السنوات العشر المقبلة، من المتوقع أن تبلغ قيمة دعم التأمين الصحى وفقا للمشروع الجديد تريليون دولار. وطبقا لجميع الخطط المطروحة حاليا، فسوف يتم تعويض هذه المصروفات عن طريق توفير النفقات فى مجالات أخرى وفى نفس الوقت فرض ضرائب إضافية. ومن ثم فإن مشروع إصلاح الرعاية الصحية لن يؤدى إلى زيادة عجز موازنات الولايات.

إذن لماذا يعترض الكلاب الزرقاء؟

يتكلم هؤلاء كثيرا عن المسئولية المالية، بمعنى القلق من تكلفة دعم الرعاية الصحية. وهنا نجد أنفسنا مدفوعين إلى الاعتراض على هذا الطرح. فأين كان هذا القلق بشأن المسئولية المالية عام 2001، عندما صوت معظم الديمقراطيين المحافظين بحماس لصالح قانون يقضى بإقرار تخفيضات ضريبية تؤدى إلى إضافة 1.35 تريليون دولار إلى عجز الموازنة؟

والأسوأ من ذلك، إنه فى الوقت الذى يشكو فيه الكلاب الزرقاء من تأثير تكلفة الخطة على الموازنة، فإنهم يطرحون مطالب سوف تؤدى إلى زيادة هذه التكلفة.

فهناك الكثير من الدعاية حول معارضة الكلاب الزرقاء لإدخال نظام التأمين الصحى الحكومى بالرغم من أن الافتقار إلى تأمين حكومى وما سيترتب عليه من تخفيض أقساط التأمين سوف يكلف دافعى الضرائب مبالغ أعلى من تلك التى سيتكلفونها حال عدم توافر مثل هذا البديل.

غير أن الكلاب الزرقاء يشكون أيضا من إلزام صاحب العمل بالتأمين الصحى على العاملين لديه، وهو ما يتناقض مع اهتمامهم المفترض بشأن الإنفاق. وقد اهتم مكتب الموازنة التابع للكونجرس أيضا بهذه القضية، حيث يرى أن غياب إلزام صاحب العمل سوف يقوض من هذا النظام، لأن العديد من الشركات قد تخلصت بالفعل من خطط التأمين الصحى لديها، مما يجبر العمال على اللجوء لتلقى المساعدات الفيدرالية وهو ما يؤدى بدوره إلى انتفاخ تكلفة الدعم الصحى. ومن ثم لا يبدو منطقيا بأى حال الشكوى من تكلفة الدعم وفى نفس الوقت معارضة إلزام صاحب العمل.

فماذا يريد إذن الكلاب الزرقاء؟

ربما يكونون مجرد منافقين لا أكثر ولا أقل. ويجدر بنا أن نتذكر تاريخ أحد مؤسسى تحالف الكلاب الزرقاء، وهو بيلى توزين، عضو مجلس النواب السابق عن لويزيانا. فقد انتقل السيد توزين إلى الحزب الديمقراطى بعد فترة قصيرة من تأسيس التحالف. وبعد ذلك بثمانى سنوات، دفع قدما فى اتجاه إقرار قانون تحديث الرعاية الصحية لعام 2003، بالرغم من أنه كان قانونا غير مسئول تضمن تقديم منح ضخمة لشركات الأدوية والتأمين. ثم ترك الكونجرس وأصبح يرأس فارما (لوبى شركات الأدوية فى الولايات المتحدة) ويتلقى دخلا هائلا.

ويتمثل أحد التفسيرات لسلوك جماعة الكلاب الزرقاء فى أنهم يسيرون على خطى السيد توزين. ومن ثم فإن عدم اتساق مواقفهم يعود بالأساس إلى أنهم ليسوا سوى أدوات فى أيدى الشركات، مما يجعلهم يدافعون عن مصالح هذه الشركات لا المصالح العامة. وكما أشار مركز السياسات المتجاوبة فى تقريره الأخير، قامت شركات الأدوية والتأمين مؤخرا فى ضخ الأموال فى صناديق الكلاب الزرقاء.

لكنى لا أعتقد ذلك. فعلى أى حال، يمثل الكلاب الزرقاء فى الوقت الراهن مجموعة من الساسة الذى لم يسيروا على خطى توين. فهم لم يغيروا انتماءاتهم الحزبية حتى فى الوقت الذى بدا فيه الحزب الجمهورى يملك جميع الأوراق، وأصبح قادة الحزب يزعمون أنه سيملك الأغلبية على الدوام. ومن ثم فلا يمكن أن ننكر أن بعض الديمقراطيين أظهروا التزاما حزبيا بالرغم من ميولهم المحافظة.

لكنهم الآن يواجهون لحظة الحقيقة. ذلك أنه لا يمكن أن يحصلوا على تنازلات كبرى فيما يتعلق بالرعاية الصحية دون أن يحكموا بالموت على المشروع برمته؛ ذلك أنه إذا جرى تدمير إحدى الدعائم الأربع للمشروع فسوف ينهار بالكامل وربما تسقط معه رئاسة أوباما.

فهل هذا ما يريده بالفعل الكلاب الزرقاء؟ سوف نرى.

Financial Times

هذا المحتوى مطبوع من موقع الشروق

Copyright © 2024 ShoroukNews. All rights reserved