تنويعات رمضانية!
سلامة أحمد سلامة
آخر تحديث:
الأربعاء 3 أغسطس 2011 - 9:09 ص
بتوقيت القاهرة
هلّ رمضان هذا العام على الأمة الإسلامية، وشعوبها غارقة إلى الأعناق.. غير مهيأة لاستقبال الشهر الكريم كما اعتاد المسلمون طوال تاريخهم أن يستقبلوه.
فهم غارقون إما فى بحار من دم الشهداء الذين يتساقطون كل يوم ضحية أنظمة ديكتاتورية فاسدة لا تريد أن تترك مقاعدها بعد سنوات طويلة من إساءة استغلال السلطة وممارسة القمع ضد شعوبهم. ويخوضون حربا حقيقية فى ليبيا واليمن وسوريا.
يخربون بيوتهم بأيديهم وليس لهم أعداء غير أنفسهم. فالعالم يتفرج عليهم من بعيد كما يتفرج الناس على سيرك أو مصارعة للثيران.. على استعداد دائما للتصفيق للمنتصر أيا كان!
وإما غارقون فى أنهار جارية من المسلسلات التليفزيونية والبرامج الحوارية والتوك شو التى تغص بها عشرات القنوات الفضائية التى انفتحت عن آخرها خلال الشهور الأخيرة..
فلم تترك ثقب إبرة ولا لمحة فمتو ثانية دون أن تملأها أو تغتصبها من حياة الناس الضائعة فى عمر هذه الشعوب.. وهى أوقات ضائعة من حيوات ضائعة تسد الفراغ القاتل بدلا من اعتصامات ميدان التحرير.
وتعيد إنتاج عشرات القصص والحكايات والأشخاص الذين غابوا عن خيال الناس بسبب أحداث الثورة، ومفاجآتها التى بات الناس يتوقعون فصولا جديدة منها بعد موقعتى الجمل والعباسية!
فى ظل هذا الزخم الإعلامى الهائل، بكل ما يحدثه من طنين وضجيج، يتوزع خيار المشاهد الذى انصرف عن العبادات الرمضانية، إما بالامتثال لعشرات القنوات الدينية المتنوعة شكلا وموضوعا.
والتى تضع المشاهد تحت سيطرة قوة غامضة من ادعاء القداسة والتسليم بما يفتى به الشيخ أو الداعية دون مناقشة، حيث تطرح تساؤلات العجائز وأنصاف المتعلمين، التى خرجت منها فتاوى إرضاع الكبير وما شابهها!
أما الأحاديث الأكثر عقلانية وأقرب إلى روح العصر والمنطق، فهى تمر مرور الكرام بين الأغانى والإعلانات والتنويه عن المسلسلات والدرامات، التى حرصت الصحف على أن تلفت أنظار قرائها إليها، لتشغلهم بما تنطق به الشاشة عما يدور فى الواقع الحى وما يموج به الشارع من تقلصات. ولا غرابة.. فقد فرغت صفحات الصحف من كل جديد. وانكمش الوعى العام إلى حدود قد لا تتجاوز ما يجرى فى ميدان التحرير، دون اكتراث بما يشهده العالم من أحداث ومجاعات وكوارث فى المنطقة العربية وما حولها..
حتى كتاب الأعمدة باتوا لا يخرجون عن وتيرة واحدة فى الفكر والرؤية والكتابة، يتناقلونها فى دوائر مفرغة خلت من روح التجديد والإثارة والإبداع!
أما أهم مسلسل يمكن أن يعوض المشاهد عن مسلسلات التليفزيون فى رمضان، فسوف يكون على الأرجح محاكمة الرئيس السابق. وأغلب الظن أن القفص الحديدى لن يتسع بما فيه الكفاية للرئيس المخلوع ومعه أبناؤه ووزراؤه ومعاونوه. وسوف يجد حيلة لعدم الوجود فى القفص.
وهو ما لن يشفى غليل الألوف الذين انتظروا هذه اللحظة.. غير أن الدرس الذى نبغى أن نتعلمه، هو أن المرض وتقدم السن والعجز قد تغفر له ولكنها لن تمنع محاكمته. ولابد هنا من الموازنة بين مقتضيات محاكمة عادلة وبين إشباع شهوة الانتقام.
أشياء كثيرة قد تغنى عن التدجيل والتجهيل الذى تبثه البرامج الرمضانية.. لو أن لدينا قنوات تليفزيونية على قدر عال من الحرفية والمهنية.. فما حدث فى سيناء من هجوم شنته جماعات ملثمة على قسم شرطة العريش وتبادلت إطلاق النار فيه مع قوات البوليس والجيش وهى ترفع أعلاما سوداء تحمل اسم الإمارة الإسلامية.. واقعة لا تقل إثارة وخطورة عن موقعة الجمل فى التحرير.
ولا يمكن السكوت عليها فى ظل ما يتردد من أخطار تدخلات أجنبية.. ولكن وسائل الإعلام لم تعط الحدث ما يستحق من التغطية الإعلامية، ولم تكشف أسراره ولا خباياه ولا الذين يقفون وراءه.. هل هم إسرائيليون؟ أم فلسطينيون؟ أم من عرب سيناء وأبناء غزة؟
يهل رمضان هذا العام، والأسئلة أكثر مما تحتمله الإجابات الجاهزة والفتاوى المعلبة والآراء المتسرعة.. فدعونا نبحث عن إجاباتها فى مسالك الشهر الكريم!