وأخيرًا فعلها كيرى
إيهاب وهبة
آخر تحديث:
السبت 3 أغسطس 2013 - 8:49 ص
بتوقيت القاهرة
لم يتصور أحد أن يكون فى استطاعة وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى أن يتوصل يوم 19 يوليو الماضى إلى تفاهم بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، يفتح الباب أمام إعادة إحياء عملية السلام المتوقفة منذ سنوات. فالأوضاع المضطربة فى المنطقة، لم تكن لتخلق الجو المناسب لأى تحرك. لكل دولة من دول المنطقة الآن أمر يغنيها.
العراق لايزال يلعق جراح الاحتلال، ولا يمر يوم دون أن يصيبه جرح جديد. الأوضاع فى سوريا تسير من سيئ إلى أسوأ، والبعض وصل به التشاؤم إلى حد القول أن سوريا إنما تتحلل من داخلها، وسيكون من الصعب علينا أن نتعرف عليها كما كنا قد ألفناها فى السابق. لبنان هو الآخر أصبح يكتوى بالنار التى تمتد إليه عبر الحدود. والاستقطاب فى مصر أصبح للأسف يضرب بجذوره فى أرض مصر السمحة، والمصالحة لاتزال بعيدة المنال.
غير أننى من ناحية أخرى أعتقد أن تلك المشكلات التى تشهدها دول المنطقة، ربما شكَّلت فى واقع الأمر أكبر دافع للفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء، كى يعطوا عملية السلام فرصة أخرى. فمرور الوقت ليس فى صالح أى منهما.
بل اعتقد أيضا أن الولايات المتحدة، الراعية لهذا التحرك الجديد، وقد هالها ما يجرى فى سوريا ووقوفها عاجزة عن القيام بعمل يغير من موازين القوى، وكذلك ما هو جار فى مصر، وتلك الضغوط التى لا قبل لبعض الدول بها مثل تدفق اللاجئين السوريين عليها، كل ذلك قد أوصل الولايات المتحدة إلى قناعة بأن عليها إحداث اختراق ما فى إحدى مشكلات المنطقة، وإلا ستنجرف المنطقة برمتها بعيدا عن أى تأثير أمريكى ذى شأن، بكل ما يترتب على ذلك من آثار على مصالحها.
●●●
إذا كان على الفلسطينيين، وهم يقرأون تلك الصورة من حولهم، أن يتخذوا القرار الصعب. ربما يكونوا قد حصلوا على بعض الضمانات، أو وعدوا بخطوات لإعادة الثقة، وفى جميع الأحوال فإن أى تحرك جديد لن يكون أسوأ من ترك الضفة والقدس فريسة للاستيطان الذى يقضم أرضا جديدة كل يوم.
بل يمكن القول بأن حماس هى الأخرى قد أضحت تشعر بضغوط قوية بعد التطورات التى حدثت فى مصر، وخسارتها لحليف قوى كان يغض الطرف عن الكثير من ممارساتها. قد يؤدى هذا إلى أن تخفف حماس من مواقفها فى مواجهة السلطة فى رام الله، وقد يدفعها إلى الانخراط فى عملية المصالحة الفلسطينية بشكل أكثر جدية.
●●●
إسرائيل على الجانب المقابل، تخضع لضغوط قوية، خارجية وداخلية على حد سواء. وجه الاتحاد الأوروبى لطمتين قويتين لإسرائيل خلال الأسبوعين الأخيرين. أولاهما إجبار المؤسسات الإسرائيلية التى تتعاون مع الاتحاد الأوروبى أو تستفيد من أى تمويل منه، أن تؤكد أنه ليس لها أى علاقات مباشرة أو غير مباشرة بالأراضى المحتلة فى الضفة والقدس الشرقية والجولان. ويمنع القرار الأوروبى تقديم أى تمويل أو منح أو مساعدات للأبحاث لأى شخص يقيم بالمستعمرات الإسرائيلية.
أما اللطمة الثانية فقد تجلت فى طلب الاتحاد الأوروبى من الدول الأعضاء اتباع معايير نمطية من أجل تمييز منتجات الأراضى المحتلة عن تلك المستوردة فى إسرائيل، ووضع ملصقات يتفق عليها على هذه المنتجات لتنبيه المشترى إلى حقيقة أن هذه المنتجات قادمة من أراضٍ تحتلها إسرائيل انتهاكا للقانون الدولى. بعض المتاجر واسعة الانتشار فى هولندا حسمت أمرها وقررت مقاطعة منتجات الأراضى المحتلة من الأساس ومنع عرضها كلية.
هذا يجرى فى أوروبا، وأمريكا أيضا ليست استثناءً، فمنذ أيام قليلة قررت شركة التأمين الأمريكية العملاقة TIAA، والتى يبلغ حجم أصولها إلى 800 مليار دولار، قطع علاقتها بالشركة الإسرائيلية للمشروبات Soda Stream التى لها نشاط واسع فى الولايات المتحدة، وذلك استجابة للحملة النشطة التى تستهدف الشركات الأمريكية المتعاونة مع إسرائيل لحملها على مقاطعة أى منتج ينتج فى الأراضى المحتلة، وكذلك حمل هذه الشركات مع عدم الاستثمار فى أى شركات إسرائيلية يمتد نشاطها ليشمل تلك الأراضى.
●●●
أما على جانب الضغوط الداخلية فى إسرائيل، فيكفى الإشارة إلى ذلك الفيلم التسجيلى الإسرائيلى المثير الذى عرض فى بداية العام الحالى، وتضمن شهادات ستة من الرؤساء السابقين لجهاز المخابرات الداخلية الإسرائيلية، «الشين بيت» وأكدوا فيها أن إسرائيل إنما ينتظرها مستقبل مظلم إن هى استمرت على سياستها وممارساتها الحالية، ورأى بعضهم أن إسرائيل تتحول إلى قوة استعمارية إن هى أرادت إخضاع الفلسطينيين لحكمها.
ذهب أحد هؤلاء الرؤساء للشين بيت، وهو يوفال ديسكن إلى أبعد من ذلك بنشره مقالا فى منتصف الشهر الماضى اعتبر فيه أن قادة إسرائيل إنما يعيشون فى حالة إنكار للواقع، وأن الأمان الذى يتشعر به إسرائيل إنما هو قائم على الوهم، وقال إن البديل عن حل الدولتين سيكون وجود دولة واحدة «مزدوجة القومية»، يصبح فيها اليهود أقلية، وتسقط فيها هوية الدولة العبرية إلى الأبد.
●●●
إذا فكل طرف من أطراف النزاع إنما هو فى خُسرٍ بمرور الوقت. من هنا تتعلق الآمال بلقاء واشنطن الذى يضم مفاوضين من السلطة الفلسطينية وإسرائيل إلى جانبهم طاقم أمريكى مخضرم فى شئون التفاوض يميز هذا اللقاء وما سيتبعه من لقاءات عدة عناصر مهمة؛ العنصر الأول هو الاهتمام الذى يبديه الرئيس الأمريكى تجاه هذه المفاوضات، وإيفاده لوزير خارجيته ست مرات للمنطقة خلال ستة أشهر وهى الفترة التى تولها فيها وزارة الخارجية، والأهم من ذلك حرص الرئيس الأمريكى على تأكيد دعمه الكامل لمفاوضات حل الدولتين بدعوة وفدى التفاوض الفلسطينى والإسرائيلى للاجتماع به فى البيت الأبيض يوم الثلاثاء 30 يوليو الماضى، بعد انطلاق المفاوضات بواشنطن قبل ذلك بيوم واحد.
يضاف إلى ذلك أن وزير الخارجية كيرى يعتبر أن إحداث تقدم فى عملية السلام فى الشرق الأوسط بمثابة تحدٍ شخصى له، يستثمر فيها كل اتصالاته وعلاقاته التى أقامها مع زعماء المنطقة إبان توليه رئاسة لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.
يبدو الآن أن الولايات المتحدة ستلعب دور «الشريك الكامل» فى المفاوضات المقبلة، وهو أمر قد افتقدناه منذ عهد الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر.