الإخوان.. ورجال أمريكا
محمد عصمت
آخر تحديث:
الثلاثاء 3 سبتمبر 2013 - 9:20 ص
بتوقيت القاهرة
حتى الآن، لا تزال الكثير من أسرار العلاقات بين أمريكا وتنظيم الإخوان المسلمين طى الكتمان، رغم أن معرفة أبعاد هذه العلاقات سوف يحدد الموقف الوطنى الصحيح الذى ينبغى علينا اتخاذه ليس فقط فى قضية المصالحة مع التنظيم، وعودته للحياة السياسية، ولكن ــ وهو الأهم ــ تقديم قياداته للمحاكمة بتهمة الخيانة العظمى!
ووسط ركام من الشائعات الصحفية والتسريبات المخابراتية وأنصاف المعلومات، يوجه الكثيرون أصابع الاتهام إلى تنظيم الإخوان المسلمين، بأنه كان وكيل واشنطن فى مصر لتنفيذ خطة «الشرق الأوسط الكبير»، التى أطلقتها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة كوندوليزا رايس منذ ثمانى سنوات تحت عنوان «الفوضى الخلاقة» التى تستهدف تفتيت العالم العربى إلى دويلات قومية صغيرة، سيكون نصيب مصر منها أربع دويلات واحد للنوبة فى أقصى الجنوب واخرى للمسيحيين تمتد من الصعيد مرورا بالصحراء الغربية حتى الإسكندرية، والثالثة فى سيناء يقطنها البدو مع بقايا الفلسطينيين الذين سيتم جلبهم من غزة والضفة الغربية، وما تبقى من خريطة بلادنا سيكون من نصيب المسلمين السنة.
وخلال السنوات الماضية، نجحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة فى تنفيذ الخطوات الأولى فى هذا المشروع، حيث تم تقسيم السودان إلى دولتين، ويجرى الآن على قدم وساق فصل إقليم دارفور فى الغرب، كما نجحت هذه الإدارات فى اشعال الصراع فى العراق وتم فعلا الفصل الجغرافى بين السنة والشيعة والأكراد، ويجرى الآن التلويح بضرب سوريا لتفتيتها لعدة كنتونات طائفية، وهو ما سيعيد تركيب خريطة لبنان والأردن بالضرورة. وما يؤكد على واشنطن لتفتيت الدول العربية، هو ان نفس المخطط تم تنفيذه بحذافيره فى الاتحاد السوفييتى السابق الذى انفصلت عنه اكثر من 15 جمهورية كانت منضمة تحت لواء هذا الاتحاد، كما تم تنفيذ المخطط نفسه فى يوغسلافيا التى انقسمت إلى 5 دول، وتشيكوسلوفاكيا إلى دولتين.
فى حالتنا المصرية، لعب الإخوان دورا غامضا فى هذه المخططات الأمريكية، بعد أن تطابقت رؤى الطرفين فى الكثير من القضايا الاستراتيجية، على رأسها الحفاظ على امن إسرائيل، وهو ما قام به الإخوان فى تلجيم حركة حماس فى غزة.. وفى اتباع سياسة اقتصادية واحدة تتلخص فى تقليص دور الدولة لأقصى درجة، وهو ما عبرت عنه قيادات الإخوان وممثلهم فى الرئاسة الدكتور محمد مرسى بتقديم مشروع إقليم قناة السويس الذى كان سيجعله دولة داخل الدولة، والصكوك الإسلامية لبيع أصول الدولة.. وثالثا وهو الأهم تطابق نظرة الطرفين للدولة القومية التى لا يعترف بها كلاهما، وهو ما عبر عنه مرشد الإخوان السابق مهدى عاكف حينما قال «طظ فى مصر»، اتساقا مع مفهوم سيد قطب الذى لا يعترف بالوطن الذى هو فى رأيه مجرد قطعة من تراب متسخ، ولا العلم القومى الذى هو رمز لدولة الكفر.. وهو التصور الذى يعطى للطرفين ــ الإخوان وأمريكا ــ فرصة للتعاون المرحلى فى تقطيع الدول العربية، مقابل حصول الإخوان على الدعم الأمريكى للبقاء فى الحكم!
ما يؤكد انه لا دخان بلا نار، هو هذا الدفاع الأمريكى المستميت عن حكم الرئيس المعزول فى مصر، والضغوط العنيفة التى مارستها إدارة الرئيس أوباما والنواب الصهاينة فى الكونجرس الأمريكى على القاهرة لإعادة مرسى للرئاسة، ثم توجه اوباما المفاجئ لضرب سوريا، تعويضا عن هزيمته فى مصر، والتى يمكن ان تطيح به من منصبه، بعد مساءلته فى الكونجرس حول الثمانية مليارت دولار التى تم تقديمها للإخوان المسلمين، وذهبت أدراج الرياح بعد سقوطهم المريع.
قد يكون من المفهوم ان يرفض رجال أمريكا فى حكومة الببلاوى المتماهين مع سياساتها الاقتصادية، او الذين لا يريدون خسارة علاقتنا المتميزة معها بناء على حسابات براجماتية صرفة، كشف ابعاد هذه العلاقة الغامضة بين واشنطن والإخوان، وفك ألغازها، لكنهم بذلك يديرون وجوههم لثورة 30 يونيو التى جاءب بهم للسلطة، ولن يكونوا، مهما كانت وطنيتهم،سوى الوجه الآخر لنظام الإخوان، يرتمون فى احضان الأمريكان، ويهدرون كل الفرص للمناورة على تناقضات روسيا الصاعدة بسرعة الصاروخ على خريطة السياسة العالمية، مع خصمها اللدود الولايات المتحدة الأمريكية.