لسه.. فيه أمل
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الخميس 3 سبتمبر 2015 - 12:35 م
بتوقيت القاهرة
هناك بارقة أمل حقيقية تلوح فى الأفق بشأن محاربة الفساد واستهداف بعض رموزه.
فى الأسابيع الأخيرة، شهدنا بعض المؤشرات والإشارات والتحركات التى تقول إن عجلة مقاومة الفساد بدأت تتحرك، وحتى لو كانت ببطء شديد. لن أتحدث عن أسماء أو قضايا محددة، أولا، لأنها لا تزال فى إطار التحريات والتحقيقات والمحاكم، حتى لو كانت مسجلة صوتا وصورة. وثانيا، لأننا لا نريد أن ننزلق إلى دائرة الحديث عن أشخاص مهما تكن شخصياتهم أو شهرتهم، بل الهدف هو أن تصل إلى المجتمع رسالة بأنه لا تصالح أو مهادنة مع الفساد.
كبار المسئولين تحدثوا أكثر من مرة عن أنه لا حماية لأحد مهما علا شأنه، لكن الكثيرين تشككوا فى هذا الأمر، وهم يرون حيتان ورموز السرقة والنهب والاحتكار خصوصا القدامى يعيثون فى الأرض فسادا، بل وصلت الجرأة والبلطجة والوقاحة ببعضهم أنه صار يعظ عن الأخلاق والفضيلة وبناء المجتمع الجديد!.
هذا الأمر أصاب كثيرين باليأس والإحباط وتصور بعضهم أن دولة مبارك وأركان فساده لايزالون يحكمون أو على الأقل يؤثرون فى المشهد، ثم جاءت تطورات الأيام الأخيرة لتبعث برسالة خلاصتها أن الحرب على الفساد قد تصبح جدية فعلا فى الأيام المقبلة.
مرة أخرى، الإرهاب والتطرف ليسا هما العدو الأول أو التحدى الأصعب أمام مصر والمصريين، على الأقل لأنه عدو ظاهر، وهزيمته مؤكدة طال الزمن أم قصر بحكم قوانين التاريخ والطبيعة . لكن التحدى الأصعب هو تفكيك دولة الفساد التى أقامها مبارك ونظامه على مدى ثلاثين عاما، وتحالفت مع المتطرفين فى واقع الأمر ودمرت التعليم والصحة، بل ومنظومة القيم والأخلاق.
إذا نجحت الدولة فى هزيمة شبكة الفساد، فإن هزيمة الإرهاب والتطرف ستكون مسألة أيام، والعكس صحيح تماما، لأن استمرار الفساد هو أكبر نصير للإرهاب وسيجعل التيار الدينى المتطرف يعود ليقول للمصريين البسطاء: «ألم أقل لكم إن الفساد مستمر.. وإننى بتاع ربنا..
والبديل الأفضل؟!».
الإرهاب واضح، لكن الفساد مستتر، وبعض رموزه يعيشون بيننا، والأخطر أنهم يصرخون ليل نهار بحب الوطن وتقديسه، وهم الأعلى صوتا فى هتاف «تحيا مصر»، بل إن بعضهم تبرع بمبالغ للمشروعات الخيرية، هؤلاء هم الذين يطعنون الوطن فى ظهره، وهم الأكثر عداوة لمصر وللمصريين، بل وللإنسانية ولكل ما هو محترم.
طوال الأيام الماضية وبعد القبض على بعض المتهمين فى أكثر من قضية فساد، قابلت العديد من الإعلاميين والسياسيين، معظمهم يشعر بالأمل لأن سيف العدالة بدأ يقترب من القبح والدمامة والعنجهية والانحطاط. سياسى بارز قابلته مساء الثلاثاء قال لى: إنه كاد يصاب بالإحباط وفكر أكثر من مرة فى اعتزال العمل العام، لكنه عندما تابع ما يحدث من تحركات ضد الفاسدين شعر بأن الدنيا لاتزال بخير.
لكن هل تعلمون ما هو الأكثر إيجابية فى أحداث الأيام الأخيرة؟!.
هو باختصار أن غالبية المواطنين لديهم ترمومتر دقيق يعرفون به الفاسدين شخصا شخصا ويعرفون كل تفاصيل حياتهم، وما هى جرائمهم وسرقاتهم، لا أحد ينخدع بالمظاهر، أو الصوت العالى، لا يكفى أن تكون مشهورا لتهرب من مواجهة مصيرك المحتوم، ولا يكفى أن تعرف كل أركان الحكومة وبعض الأجهزة كى تفلت من العدالة.
ما حدث جرس إنذار حقيقى لكل الفاسدين الذين لم تصل إليهم يد العدالة حتى الآن، أن يتوقفوا ويرتعدوا ويتوبوا، ويردوا ما سرقوه. والسؤال: لماذا لا تقوم الحكومة وأجهزتها بتجريس وفضح اللصوص والفاسدين، حتى يكونوا عبرة لغيرهم، وحتى يرتدع الباقون، وحتى يقتنع البسطاء أن الحكومة تحارب الفساد فعلا. تجريس هؤلاء واجب قومى وتربية وطنية للأجيال المقبلة.
شكرا لكل الشرفاء فى الأجهزة الرقابية الذين منحونا بعض الأمل وبعض الأوكسجين النقى.