المرتزقة ومجموعة فاجنر: قديم يتجدد
العالم يفكر
آخر تحديث:
الثلاثاء 3 سبتمبر 2019 - 10:20 م
بتوقيت القاهرة
نشرت مؤسسة «Geopolitical Monitor» مقالا للكاتب «Jose Miguel Alonso» يتناول فيه الحديث عن المرتزقة وتاريخهم وعودتهم مرة أخرى فى ثوب جديد ونعرض منه ما يلى:
إن وجود وحدات المرتزقة ــ قوات قتالية محترفة تكون فى خدمة من يدفع أكثر فى سياق أى نزاع مسلح ــ ليست ظاهرة جديدة. فى الواقع، تعود هذه الظاهرة إلى آلاف السنين. على سبيل المثال، شاركت ما تسمى بمجموعة «عشرة آلاف» (مجموعة متطورة من المرتزقة من المدن اليونانية المختلفة) فى النزاعات التى اندلعت فى عدة أركان من الإمبراطورية الفارسية.
خلال عصر النهضة، كان المرتزقة السويسريون مرموقين للغاية فى جميع أنحاء أوروبا وكانت خدماتهم مطلوبة فى كثير من الأحيان من قبل جيوش دول مثل فرنسا وإسبانيا وإنجلترا وهولندا. وكان ينظر إليهم على أنهم محاربون محترفون وكان يتم مكافأتهم ماليا بشكل جيد وفقا لأدائهم فى ساحة المعركة. ومكنتهم براعتهم وتنوع مهارتهم من الوصول إلى المحاكم الملكية القوية وكبار صانعى القرار، وهو ما استفاد منه الاتحاد السويسرى بعد ذلك ببراعة لتعزيز مصالحه الوطنية.
ومع ذلك، تطور المفهوم الأساسى لعمل المرتزقة. على سبيل المثال، فإن أكثر الحالات نموذجية فى العصر الحديث هى شركة «بلاك ووتر» العسكرية الأمريكية، التى شاركت فى الأنشطة الأمنية وحتى فى المهام السرية فى مسارح العمليات الصعبة مثل العراق وأفغانستان، وشاركت الشركة أيضا فى حماية البنية التحتية الحيوية والموارد الطبيعية فى المناطق التى اعتبرت ذات أهمية استراتيجية على جدول أعمال واشنطن الجيوسياسى.
منذ إنشائها، كانت الشركة مرتبطة بكل من المجمع الصناعى العسكرى الأمريكى والاستخبارات الأمريكية، وتقدم الشركة الخاصة تدريبا متخصصا وخدمات استشارية أمنية، ومعدات تكتيكية، ومعدات تشغيلية عسكرية.
كما حصلت إسرائيل على حصتها العادلة من المتعاقدين الأمنيين الخاصين. وهذا ليس بالأمر المفاجئ، بالنظر إلى القدرات والخبرات العسكرية والمهنية فى مجال إنفاذ القانون فى البلاد. على سبيل المثال، تقوم شركة «Black Cube» الإسرائيلية ــ والتى يتكون طاقمها من موظفى الموساد السابقين ــ بجميع أنواع المهام الاستخباراتية لكل من العملاء الوطنيين والدوليين القادرين على تحمل تكاليف خدماتها المهنية. وهذا يوضح أن الخدمات التى تقدمها شركات الأمن الخاصة متنوعة بشكل ملحوظ.
***
تعكس هذه الاتجاهات العديد من الحقائق، بما فى ذلك التعقيد المتزايد للديناميات الجيوسياسية العالمية للقرن الحادى والعشرين، والانتشار التنافسى لجميع أنواع خدمات الأمن الخاصة فى الأسواق العالمية بسبب الطلب المتزايد عليها، ونشوء أشكال جديدة من الصراع تشمل الصراع بين الدول وحتى بين الفاعلين من غير الدول.. وتقلص الخط الذى يفصل بين ويميز وقت السلم عن وقت الحرب.
بخلاف الولايات المتحدة وإسرائيل، أنشأ الاتحاد الروسى شركته العسكرية الخاصة.. ربما تم تسميتها على اسم «مؤلف» ألمانى تبنى الأفكار العسكرية، وفقا للمعلومات المتاحة، كانت «مجموعة فاجنر» نشطة كقوة مقاتلة فى سوريا وشرق أوكرانيا وشبه جزيرة القرم. ومن المفارقات، أنه فى الوقت الذى شاركت فيه فى سوريا فى أنشطة مكافحة التمرد ضد الجهاديين المسلحين، ففى أوكرانيا حاربوا إلى الانفصاليين الموالين لروسيا ضد القوات النظامية الأوكرانية.
بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن مقاولى الشركة لم يعدوا يعملون فى أوراسيا فقط. ومن المثير للاهتمام أن أنشطة مجموعة فاجنر فى السودان تتعلق بحماية مناجم الذهب واليورانيوم والماس، ومن المفترض أيضا أن وجودهم فى جمهورية إفريقيا الوسطى مدفوع بمصالح التعدين، كذلك أيضا وصلوا بالفعل إلى نصف الكرة الغربى. وفى الواقع، وفقا لمصادر صحفية غير مؤكدة، يعمل نشطاء مجموعة فاجنر فى فنزويلا كحارس مدافع عن نظام مادورو المحاصر.
وعلى الرغم من أن الشركة ليست معروفة بامتثالها بدقة لمعايير الشفافية (ليس لديها موقع إلكترونى رسمى)، فمن المعروف أنها تأسست من قبل ديمترى أوتكين، قائد القوات الخاصة السابق الذى كان يعمل فى المخابرات العسكرية الروسية. وعلاوة على ذلك، بخلاف نظيراتها الأجنبية، فإن مجموعة فاجنر تقوم على ما يبدو بتنسيق عملياتها مع الوحدات العسكرية والاستخبارية الروسية. ومن المثير للإعجاب أن أحد مراكز تدريب مجموعة فاجنر مجاور لقاعدة عسكرية فى المنطقة الريفية لمولكين، بالقرب من البحر الأسود.
يزعم أن الشركة لا تقتصر فى طاقمها على أفراد القوات المسلحة الروسية السابقين، ولكن أيضا تضم بعض المواطنين الأوكرانيين وحتى الصرب. ويجب أن يؤخذ فى الاعتبار أن تفكير موسكو الاستراتيجى كان يعتبر صربيا دائما واحدة من أقرب حلفاء روسيا الجيوسياسيين. ومن الأهمية بمكان تسليط الضوء على أن هؤلاء المجندين ــ الروس والأجانب ــ يتم جذبهم من خلال إغرائهم ماليا بشكل كبير. ووفقا لمصادر صحفية، فإن مقاتلى مجموعة فاجنر فى سوريا يحصلون على أكثر من 5000 دولار شهريا.
***
وفى ضوء ما تقدم، وعلى الرغم من كونها شركة خاصة اسميا، فمن الواضح أن مجموعة فاجنر تخدم فى نهاية المطاف المصالح الوطنية للاتحاد الروسى. وعلى الرغم من أن استخدام المرتزقة لم يتم تشجيعه ــ لعدة أسباب ــ من قبل المنظرين السياسيين الكلاسيكيين مثل مكيافيلى، إلا أن استخدامهم بشكل سليم وفعال يمكن أن يقدم العديد من المزايا فى السياقات المعاصرة.
فى البداية يمكننا القول إن الإصابات العسكرية مكلفة للغاية من الناحية السياسية. وبعبارة أخرى، تؤدى وفاة الرجال والنساء فى الزى العسكرى إلى تآكل الروح المعنوية الوطنية، وتذكى السخط الشعبى، وتضر بشرعية القيادة الوطنية، والتى قد تكون ضارة بالمجهود الحربى، والأمر ليس كذلك بالنسبة للمرتزقة، لأن غالبا ما تكون هناك اتفاقيات سرية موقعة وتعويضات مالية كبيرة، كما أن الشركة لا يتعين عليها الكشف عن مكان أو كيفية وفاتهم.
علاوة على ذلك، فإن نشر القوات النظامية فى الخارج يمثل مشكلة لعدة أسباب؛ حيث يمكن مقاضاة القادة والجنود بسبب جرائم الحرب أو انتهاكات حقوق الإنسان أو انتهاك القوانين والاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية جنيف. ونظرا لأن المرتزقة لا ينتمون إلى القوات النظامية لدولة قومية، فمن الصعب جدا مساءلتهم إذا ارتكبوا مثل هذه الانتهاكات. وبالتالى، فإن الخدمات التى تقدمها الشركات العسكرية الخاصة مهمة للغاية.
عنصر آخر يستحق النظر وهو أن الوجود الرسمى للقوات النظامية فى مسرح العمليات الكامل للمقاتلين النظاميين وغير النظاميين ــ مثل سوريا ــ يزيد من مخاطر سوء التقدير والتصعيد. وفى ظل هذه الظروف، حتى حادث بسيط يمكن أن يخرج عن السيطرة بسرعة ويتسبب فى إعلان حرب رسمى.
على سبيل المثال، فى عام 2018، قام الجيش الأمريكى على ما يبدو بقتل المئات من المرتزقة الروســ ربما كان بعضهم من المتعاقدين مع مجموعة فاجنر ــ فى معركة للسيطرة على حقل للغاز بالقرب من دير الزور، فى شرق سوريا. هذا الحادث بالأخص لا يزال غير واضح ولا يبدو أن واشنطن ولا موسكو مهتمتان بإصدار بيانات عامة حوله. ومع ذلك، إذا قاتلت القوات الأمريكية والروسية الرسمية بعضها البعض فى مثل هذا الحادث، فقد تكون النتيجة مختلفة بشكل مأساوى.
يمكننا القول أن كيانات مثل مجموعة فاجنر ونظرائها الأجانب هى تجسيد حديث لـ «النهج غير المباشر»، وهى طريقة حرب دعا إليها مفكرون مثل الجنرال الصينى الأسطورى «صن تزو» والبريطانى «B. H. Liddell Hart»..
إعداد: ريهام عبدالرحمن العباسى
النص الأصلى :من هنا