الوجه الآخر للعملة «العاثيات»
ليلى إبراهيم شلبي
آخر تحديث:
الجمعة 3 سبتمبر 2021 - 8:20 م
بتوقيت القاهرة
ربما كانت المرة الأولى التى يتعرف فيها الإنسان المصرى البسيط على الضيف غير المرغوب فيه والذى اجتاح العالم دونما استئذان «الفيروس»، فكان عليه أن يتعرف عليه عن قرب ليتفهم معنى وجدوى تلك الإجراءات الاحترازية التى تجبره على ارتداء الكمامة، وغسل الأيدى لمرات فى اليوم الواحد، وعلى قواعد التباعد الاجتماعى التى اضطرته للصلاة فى بيته وتفادى التجمعات وحرمت السلام باليد وأجبرت التلاميذ على تلقى العلم من منازلهم.
تقبل المصريون المعلومات التى انتشرت بكل الوسائل المتاحة سواء تلك التى حرصت وزارة الصحة على تأكيدها فى وسائل الإعلام المختلفة، أيضا تلك التى تطوع الكثيرون بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعى، رغم الجهود المبذولة مازالت تطالعنا إلى الساعة صور تشير إلى تجاهل الإنسان المصرى لكل تعاليم الوقاية التى ترددت بكل اللغات فى صيغ سهلة واضحة مفهومة حتى لمن لا يجيد القراءة أو الكتابة، مازالت المهرجانات والحفلات والأفراح تقام وتتجدد ويتبارى من فيها بتحدى الإجراءات الاحترازية المتعارف عليها علانية وأنا فى حيرة من أمر تلك الصور التى تنتشر على وسائل التواصل الاجتماعى بل وفى الإعلام: هل لم تصل الرسالة إلى عقول هؤلاء، أم أن الرسالة لم تكن واضحة بما يثير الانتباه والاهتمام وبالتالى لم تتأثر العقول ولم تنتبه بالفعل للخطر المحيق بالعالم بأسره؟
تمنيت لو أن الدولة قد تبنت نظاما أقوى أثرا وأكثر فاعلية فيما يتعلق ببرامج الطب الوقائى والوقاية من الأمراض المعدية.
وأن تقوم مؤسسة مستقلة بهذا الدور يتعاون فيها ممثلون لوزارة الصحة والتعليم والتضامن الاجتماعى والمالية وتنضم إليها شخصيات علمية لها رؤية وخبرة فى المجال إلى جانب هيئات من المجتمع المدنى تقدم خدماتها فى الريف والصعيد فلا تستأثر القاهرة والمحافظات المهمة بالجهد المبذول. يكون على تلك المؤسسة فى البداية الإجابة عن هذا السؤال: هل نجحت المؤسسات المعنية بالأمر بالفعل فى نشر ثقافة الوقاية بين المصريين؟ يجب أن تقيم التجربة المصرية بصدق لا علاقة له بعقاب المخطئ أو مكافأة المصيب. تقييم علمى مجرد يشير إلى خطة عمل مستقبلية تعتمد على أدوات عمل مصرية خالصة تجعل من الوقاية صيغة واضحة مفهومة بل أسلوب حياة صحية لكل المصريين على اختلاف مجتمعاتهم.
يكون أيضا من واجب تلك المؤسسة تقديم كل الاقتراحات التى تساعد الإنسان المصرى على فهم الحقائق العلمية الثابتة التى تعينه على الفهم وبالتالى حسن التصرف فى مواجهة انتشار الأمراض المعدية. من تلك الاقتراحات على سبيل المثال إضافة منهج مستقل يتعلق بماهية الوقاية من الأمراض على مستويات مختلفة فى المدارس الابتدائية والاعدادية والثانوية يعهد به إلى المتخصصين وأهل التجربة العملية. من تلك الاقتراحات أيضا فكرة أن تتولى الدولة الإشراف على برامج لتدريب الخريجيين من مختلف الكليات على أعمال تطوعية فى مجال الصحة والتعليم للاستفادة من جهودهم حتى حصولهم على عمل دائم أو الاستقرار فى وظيفة وقد يمكن فى تلك الأحوال تقديم مكافأة رمزية تعينهم على الحركة، فى ذلك بلاشك خبرات جديدة وآفاق مفتوحة للاستفادة من طاقات معطلة ناقمة على أحوالهم إلى جانب خبرات تضاف إلى خبراتهم المحدودة التى انحصرت فى سنوات الدراسة.
المعرفة العلمية هى أهم وأنفع وسيلة لتأكيد معنى الوقاية لدى الإنسان خاصة إذا وصلت مستهدفة مركز الوعى لديه والذى يعتمد بالطبع على عوامل كثيرة متداخلة منها درجة تعليمه وحدود ثقافته، سنه وطبيعة عمله وقدرته على تفهم الأوضاع والقواعد الصحية السليمة ورغم تفاوت تلك العوامل إلا أن الخبرة العلمية بلاشك قادرة على صياغة المعلومات بصورة تنفذ إلى كل العقول مؤثرة فى سلوكيات الانسان فيما بعد.
الغالبية منا ترى فى الفيروس شرا مستطيرا ناشرا للمرض مسببا للعدوى. هل خطر ببال أحد منا أن يتعرف على الكائنات الحية التى تعيش داخل أجسامنا؟ إذا ما عرف البعض منا أن فى الأمعاء العشرية بيئة متنوعة بيولوجيا بشكل مذهل من الكائنات الحية الباكتيرية فهل يعرفون أن تلك الأعداد الهائلة من الباكتيريا تحمل داخلها فصائل مختلفة من الفيروسات عددها يفوق أعداد الباكتيريا بالطبع ويطلق عليها Bacteria phages أو «العاثيات» وأنها أكثر كائنات الأرض انتشارا فى اليابسة والماء. هى فيروسات يمكن تصنيفها على أنها فيروسات صديقة إذ إنها تعمل على تحقيق «الضبط الإيجابى» لنمو أنواع الباكتيريا الضارة فى أمعاء الانسان؟ بل إن تلك الفيروسات الآن يتم استخدامها لمقاومة الأمراض الباكتيرية بل ومنها ما هو قيد البحث فى محاولات علاج النشاط السرطانى.
يحقق البحث العلمى الآن تطورا مذهلا فى متابعة الكيانات الدقيقة المعروفة بالفيروسات إذ إن وصف كائن لا ينطبق على الفيروس إنما هو كيان بتوصيف العلم والعلماء.
الأمر مازال بالفعل يحتاج إلى مجهودات متنوعة كثيرة على مستويات متعددة حتى نصل إلى صيغة واضحة سهلة لا يغيب عنها العلم مصرية خالصة تؤكد للعقل المصرى بما لا يقبل أى شك وأن تقبل الرد على كل التساؤلات أن المقولة القديمة «الوقاية خير من العلاج» إنما هى مقولة صحيحة تماما وقابلة للتنفيذ. وأنه إذا كان كوفيد ـ ١٩ هو الوجه القبيح للعملة فإن العاثيات هو الوجه الآخر لها إذا عرف الإنسان المصرى العادى الحقائق العلمية المجردة بصورة واضحة تنفذ إلى عقله ووجدانه مباشرة أظنه إن شاء الله سوف يؤمن أن فى التباعد حياة فى الوقت الحالى وأن لزمن الكرب نهاية آتية لا ريب فى ذلك.
دمتم جميعا سالمين..
بإذن الله.