العمل الجماعى منهج حضارى
الأب رفيق جريش
آخر تحديث:
السبت 3 سبتمبر 2022 - 8:50 م
بتوقيت القاهرة
يمتازعصرنا هذا بأنه عصر «العمل الجماعى» وليس العمل الفردى كما كان فى الماضى حيث البطل الأوحد والزعيم الخالد والمدير الفذ وإلى آخره من الشعارات التى ملأت ذاك الزمان تأثرا بالأنظمة الشيوعية التى ظهرت فى منتصف القرن الماضى والتى كرست لذلك كما أن طبيعتنا الشرقية والعربية تميل نحو تعظيم الشخص الأوحد لدرجة العبادة مع إلقاء كل المسئوليات على عاتقة حتى أتفه الأشياء. وهذا لا ينسحب فقط على الحياة السياسية ولكن حتى فى المؤسسات وشركات القطاع العام أو القطاع الخاص أو قطاع الأعمال، ولا أبالغ عندما أقول حتى فى العائلات الأب هو المتحمل الأوحد. ففى ذلك المجتمع الفرد هو المفكر والمخطط والمسئول عن التنفيذ حتى لو تحت يده عمال أو موظفين، لكن الكل يرجع إلى هذا الشخص لاتخاذ قرار ما حتى لو كان صغيرا أو بسيطا فيستعمل المؤتمرون منه بقدر ضئيل من مساحة ذكائهم بقدر العمل المطلوب منهم فعله.
أما العمل الجماعى فهو شىء مختلف. فالتفكير والتخطيط والتنفيذ يكون جماعيا مع توزيع الأعمال والأدوار على فريق العمل وهذا هو معنى كلمة فريق Team باللغة الإنجليزية أى «معا كل أحد ينجز أكثر»، نعم هناك المسئول الأول ولكن فى الغالب يكون وظيفته التنسيق بين الجميع وتحفيز الجميع على التفكير والتخطيط والوصول للهدف المرجو، ربما هذا هو السبب فى أن الغرب من خلال آلية الديمقراطية لم يعد هناك «الزعيم» ولكن «الرئيس» الذى مع مستشاريه وحكومته وبقية مؤسسات الدولة وأحزاب المعارضة والجميع يعمل بروح الفريق للوصول إلى الهدف المرجوه، وكذلك الشركات الصناعية والمالية والتكنولوجية إلى آخره، وهذا ما تبثه الدولة الآن من خلال اهتمامها بالشباب فليس الهدف خلق زعماء ولكن خلق قيادات قادرة على العمل فى إطار جماعى حتى يكون العمل ناجحا، حيث جميع الفريق يصغى إلى بعضه البعض فيفكرون ويخططون معا وينفذون معا ويكونون مسئولين عن التنفيذ وما ينتج عنه.
هذا المنهج يربى عليه المرء منذ طفولته ومنذ مدرسته والجامعة ونتمنى فى خضم سياسة إصلاح التعليم الحالية أن يوضع ذلك فى الاعتبار وهو تشجيع الطفل على العمل مع زميله وتشجيع الشباب على الدراسة والبحث مع زميله.
دعیت منذ عامين للقاء شباب «ثانوى» فى بعض المدارس الحكومية الألمانية وعند دخولى الفصل كنت متصورا أنها فصول مثل فصولنا حيث الكراسى ومكاتب الطلبة متجهة نحو السبورة وبالتالى المدرس، ولكن فوجئت أن كل خمسة طلبة يجلسون على طاولة مستديرة وذلك لتنمية روح الفريق فإذا سال المدرس سؤالا أو طلب بحثا يجاوبه الطلبة الذين فى طاولة ما، وتكون المنافسة بين طاولة وطاولة أخرى وذلك لزرع روح الفريق بين الشباب. بدأت النهضة الصناعية فى آسیا كالصين واليابان بأن کل أحد يعمل شيئا واحدا حتی لو کان متناهى الصغر ولكن يضاف عمله على عمل غیره ليتكون فى الآخر عمل واحد، قد تكون آله صناعية أو سيارة أو ما إلى ذلك.
ليت الأجيال القادمة والقيادات الجديدة تؤهل على تحفيز العمل الجماعى وليس الاتكال على العمل الفردى حتى نصل إلى أعمال ناجحة ويكون كل إنسان ناجحا مع زميله الناجح الآخر.
الأب / رفيق جريش