إستاموس تاكوندو تيكى تاكا.. (5)!
حسن المستكاوي
آخر تحديث:
الأحد 3 سبتمبر 2023 - 8:30 م
بتوقيت القاهرة
** نعم هو عنوان غريب لمقال باللغة العربية.. فقط انتظر واقرأ:
** تطور تحليل مباريات كرة القدم، وسقطت مفاهيم وكلمات قديمة، ووولدت كلمات جديدة فى الشرح والتفسير، وظهرت أساليب لعب جديدة. هكذا كان الحال دائما منذ مائة عام. لكن الجديد فى التطور الآن أن جيل الشباب متصل بالعالم. يراه ويلمسه ويتعلم منه، وينهل من تجاربه. ويستعين بأدوات عصره، فيستعين بالأرقام ويحللها، ويستعين بالصورة، ويشرح بها وجهة نظره. والتطور ليس بالضرورة يصنع صراعا، بين القديم وبين الجديد. وعلى القديم أن يتجدد، وعلى الجديد أن ينظر إلى خبرات القديم المتراكمة ويتعلم منها.
** سأل زميل شاب سؤالا منطقيا، والسؤال يعكس طبيعة من يرغب فى أن يعرف، وكان السؤال: ما هو الفرق بين الناقد الرياضى وبين المحلل؟
أعتز بكلمة صحفى، لكن الصحفى حين يكتسب خبرات من سنوات طويلة وتجارب عديدة يمكن أن يكون ناقدا، وبالمناسبة الخبرة ليست بالعمر وإنما بالعلم والدراسة والبحث وبعدد وتنوع التجارب حتى ولو كان عمرك 35 سنة، وهى سن قد تسمح بجلوس شاب على مقعد رئيس مجلس إدارة شركة أمريكية كبيرة. والنقد لا يقصد به التركيز على السلبيات، وإنما التوجيه وممارسة رسالة البناء أيضا بالشرح والتوضيح وبمعلومات ومصادر بعيدا عن الآراء الانطباعية. فالناقد السينمائى مثلا لا يجوز أن يذهب إلى «مهرجان كان» ويخرج من فيلم فيصفه بأنه «حلو» أو و«حش»، وإنما عليه أن يشرح لقارئه أو للمتلقى عموما أسباب جودة الفيلم أو عدم جودته، مسلحا بعلمه الواسع عن الإخراج، والتمثيل، والتصوير وحركة الكاميرا، وصدق الممثل وكيف أنه لا يمثل وهكذا حسب ظنى.
** الناقد الرياضى بمرور الوقت يبحث فى الأشياء، ويراجع التاريخ، وعليه أن يتسلح بثقافة عامة توسع من مداركه، وعليه أن يقرأ تاريخ الألعاب، وتطورها، وقد يبحث مثلا: لماذا تحظى كرة القدم بتلك الشعبية، وقد بحثت فى ذلك عام 1977، ووصلت إلى أسباب بالقراءة والبحث. والأمر نفسه يمتد إلى البحث فى القدرة البشرية والإنجازات الرياضية وحدود تلك القدرة، والناقد يمكن أن يعرف مثلا تطور رقم المائة متر عدوا وتطور تكنيك أبطاله على مدى مائة عام، والناقد يدرك قيم الرياضة ومفاهيم الحركة الأوليمبية والأسباب التاريخية لانطلاق الألعاب القديمة، وتطور اللعبات وقوانينها وكل هذا وأكثر منه قد لا يهتم به المحلل. وهذا فارق جوهرى بين الناقد وبين المحلل. وأضيف أيضا أن هناك فارقا مهما، وهو قدرة الناقد بخبراته على إبداء رأيه فى قضية رياضية بشرح واف يربط خلاله بين الاشياء وبين الأحداث. ولا أتحدث هنا عن إبداء الرأى فى الخناقات!
** فى 22 ديسمبر 2010 كتبت هنا فى الشروق مقالا عن أصل كلمة وأسلوب تيكى تاكا وأشير إلى بعض سطوره: «هذا الأسلوب سمح للإسبان بالسيطرة على مراكز اللعب وعلى الخصم.. وفى الكرة الشاملة كان ميتشيلز يرى أن أى لاعب يستطيع أن يقوم بدور أى لاعب آخر»..
وهذه التسمية أطلقها المعلق الإسبانى الشهير أندرياس مونتيس، وكان يصنع خلال تعليقه شكلا من أشكال الإيقاع على مباريات كأس العالم 2006 لقناة لا سيكستا الإسبانية (LaSexsta). وتحديدا أثناء مباراة تونس وإسبانيا، حيث قال المعلق وأضطر هنا إلى استعمال النص الإسبانى وصياغته بالعربية لمزيد من التوضيح:
Estamos tocando tiki taka tiki taka «إستاموس تاكوندو تيكى تاكا تيكى تاكا» واستخدم أندرياس مونتيس هذا التعليق للتعبير عن دقة وبراعة تمريرات الفريق الإسبانى، وهو ربما اشتق التعبير من صوت شبيه من هذا الصوت الذى يصدر من لعبة مثل البندول يضرب فيها حجران بعضهما ويصنعان الصوت (تيكى تاكا)...
** كان هذا المقال من واقع القراءة والمتابعة والبحث، ضمن مئات المقالات التى تعبر بوضوح عن الفارق بين الناقد الرياضى وبين المحلل. وأعتذر بشدة عن استخدام مقالات خاصة بى، لكننى قصدت أن على الناقد وكذلك على المحلل أيضا البحث والتفتيش عن الأساليب وطرق اللعب الفنية منذ طريقة القفل السويسرية إلى كل الطرق الأساليب الحديثة فى اللعبة، ومن ذلك أسلوب جينجربريسينج، للمدرب الألمانى يورجين كلوب، والكرة الشاملة لرينولز ميتشيلز، وغيرها من الاساليب، ومع متابعة المباريات وعلاقتها بتلك الاساليب وكيف تستخدم وهل تستخدم دائما يظل ذلك أمرا حتميا للناقد الرياضى سواء كان كاتبا أو محللا..
** أعلم أن صراع الأجيال ظاهرة إنسانية. وقد كتب عنها الأديب الكبير توفيق الحكيم. وأظن أنه كتبها حين كان نجله اسماعيل الحكيم عازفا وقائدا لفريق موسيقى غربى فى الستينيات اسمه «بلاك كوتس». وصراع الأجيال موجود وحقيقى. لكن يصبح صراع الأجيال معاناة للجيل الذى يتمسك بزمنه ولا يرى الحاضر ولا يتطلع للمستقبل. وللجيل الذى لا يرى الماضى ولا يستفيد منه، ويكون الحاضر فى تلك اللحظة عبئا وهما ثقيلا بسبب عدم التطوير والتجديد أو بسبب التجاهل والغرور..!