مساعدة الفلسطينيين.. بين الواقعية والمزايدات
عماد الدين حسين
آخر تحديث:
الثلاثاء 3 سبتمبر 2024 - 7:55 م
بتوقيت القاهرة
عدد كبير من وسائل الإعلام العربية اهتمت واحتفت بتصريح أطلقه الرئيس الجزائرى عبدالمجيد تبون، فى ١٧ أغسطس الماضى، وكان عنوانه المثير: «الجيش الجزائرى جاهز بمجرد فتح الحدود بين مصر وقطاع غزة»، لكن غالبية الذين اهتموا بالخبر لم يكلفوا أنفسهم بقراءة بقية الخبر بهدوء وبعيدًا عن الحماس والمزايدات.
نص تصريح تبون يقول: «لن نتخلى عن فلسطين بصفة عامة، ولا عن غزة بصفة خاصة، أقسم لكم بالله لو أنهم ساعدونا وفتحوا الحدود بين مصر وغزة، فهناك ما يمكننا القيام به».
حتى هذا المقطع فإن من يقرأه سيتصور أن الجيش الجزائرى يريد عبور الحدود للقتال من أجل تحرير فلسطين. لكن المفاجاة أن تبون يقول لاحقًا: «لقد قطعت وعدًا، والجيش جاهز بمجرد فتح الحدود والسماح لشاحناتنا بالدخول، فسوف نبنى فى ظرف ٢٠ يومًا، ٣ مستشفيات، وسنرسل مئات الأطباء، ونساعد فى بناء ما دمره الصهاينة».
انتهى نص ما قاله تبون، وبالتالى فإن الذين يقرأون العناوين فقط سيصلهم أن الرئيس يريد أن يرسل جيشه لتحرير فلسطين، لكن المشكلة تكمن فقط فى الحدود المغلقة.
وبالتالى فإن حقيقة التصريح لن تصل إلى عدد كبير ممن قرأوا العنوان فقط أو حتى أولئك الذين ليس لديهم الفهم والوعى الكافى بحقيقة الصراع العربى الإسرائيلى والفرق بين الحقائق والشعارات والواقع والتوازنات على الأرض، وبين الشعارات والمزايدات والأحلام والأوهام التى تدغدغ مشاعر البسطاء.
لا ينكر عاقل الدور العروبى للجزائر فى دعم ومساندة دول المواجهة، قبل وأثناء حرب أكتوبر ١٩٧٣، وكذلك الدعم الجزائرى لفلسطين فى مجالات كثيرة.
لكن حينما نتكلم عن الواقع الراهن، فالأمر شديد الاختلاف، وينبغى أن ننظر إليه بمنتهى الواقعية حتى لا يتم تضليل الرأى العام العربى، الذى يواجه أساسًا أفكارًا ومعلومات وشائعات متناقضة تجعله فى حيرة من أمره.
مبدئيًا الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة وغزة مفتوحة من الجانب المصرى من اليوم الأول للعدوان الإسرائيلى فى ٧ أكتوبر الماضى. لكن صار معروفًا للجميع أن إسرائيل تتفنن طوال الوقت فى عرقلة ومنع دخول المساعدات الإنسانية، حتى تهجر الفلسطينيين من غزة. ونتذكر أن مصر رفضت خروج الرعايا الأمريكيين والأجانب من غزة قبل السماح بإدخال المساعدات الإنسانية، وقد نجحت فى ذلك وتدفقت المساعدات بدرجات متفاوتة.
مصر قدمت الكثير من المساعدات وكذلك العديد من الدول العربية والأجنبية عبر معبر رفح المصرى أو جوًا، حينما تعثر إدخال المساعدات برًا.
وما أعلمه أيضًا أن هناك أطباء مصريين وغير مصريين دخلوا غزة، وكذلك نجحت مصر فى إقامة معسكرات إيواء للأشقاء الفلسطينيين فى رفح وخان يونس.
وما نعرفه جميعًا أن مصر مؤخرًا أوقفت مؤقتًا إدخال المساعدات عبر معبر رفح بعد أن احتلته القوات الإسرائيلى وتعمدت رفع العلم الإسرائيلى فوقه قبل أن تقوم بهدمه، حتى لا ترسخ احتلال إسرائيل للمعبر ومحور فيلادلفيا، رغم ذلك استمرت المساعدات المصرية فى التدفق عبر معبر كرم أبوسالم.
الوقائع على الأرض تقول إن هناك عدوانًا إسرائيليًا مستمرًا على القطاع، ويمتد الآن إلى الضفة، وحالة حرب مع المقاومة الفلسطينية، وإسرائيل تحتل كامل حدود غزة مع مصر، وبالتالى فإدخال المساعدات أو أى شىء إلى القطاع، لا بد أن يمر، إما بعد الاتفاق مع إسرائيل أو عبر الضغوط الدبلوماسية الدولية على إسرائيل، وهو ما تفعله مصر وأطراف أخرى، أو عبر القوة، وهو ما يعنى الدخول فى حالة حرب رسمية مع إسرائيل.
ومن يريد محاربة إسرائيل فيمكنه أن يفعل ذلك عبر الجو أو البحر.
وبالتالى فإن السؤال الصحيح هو: ما الطريقة المثلى التى ينبغى بها مساعدة الأشقاء الفلسطينيين بعيدًا عن المزايدات؟
الإجابة هى إذا كانت إسرائيل ترفض دخول الرئيس الفلسطينى محمود عباس إلى غزة، فهل ستسمح للجيش الجزائرى بالدخول، حتى لو كان يريد فقط بناء المستشفيات، وليس تحرير غزة من الاحتلال؟!
أعرف وأدرك أن غالبية الجماهير العربية محبطة مما يحدث، وهى ترى الاحتلال الإسرائيلى يعربد قتلًا وتدميرًا فى فلسطين ولبنان وسوريا، وأعرف أن الأحوال العربية ليست فى أفضل أحوالها، لكن من المهم أيضًا أن يكون التعامل مع هذه القضية القومية بحسابات عاقلة وموزونة تراعى الواقع ولا تقفز عليه، حتى لا يزيد إحباط الرأى العام العربى أكثر مما هو محبط!